كتبت: مرجريت بوهلندر
مساعدة برامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مركز المشروعات الدولية الخاصة
في 18 نوفمبر 2013
هذه المدونة مترجمة عن الأصل باللغة الإنجليزية: The Youth Unemployment Crisis in Tunisia
تواجه تونس-مثل غيرها من بلدان الربيع العربي- "تضخمًا في أعداد الشباب". لكن، لا هذا التضخم، ولا الآثار الممتدة للأزمة المالية الأوروبية، يمكن أن يفسر على نحو كامل المعدل العالي لبطالة الشباب التونسي. فهذه البطالة في أوساط الشباب هي النتيجة الطبيعية للمشاكل البنيوية في النظام التعليمي وسوق العمل هناك، إلى جانب الفهم المتأصل بشأن "التوظيف" نتيجة عقود من التطور الاجتماعي والسياسي.
وبينما يهيمن الحوار بين الأحزاب السياسية التونسية على العناوين الرئيسية في الإعلام، تجري المجادلات السياسية الحامية الآن بما لا يعكس الأوضاع الاقتصادية المزعجة التي يمكن أن تفضي إلى تقويض الانتقال الديمقراطي في هذا البلد.
إذ يبلغ معدل البطالة اليوم في أوساط الشباب الجامعي 30%، وهو أكثر من ضعف المعدل المسجل عام 2005، الذي بلغ 14%. ويعزى الارتفاع في معدل البطالة الإجمالي (17% الآن)، جزئيًّا، إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية العامة، فمنذ اندلاع الثورة التونسية عام 2011، مر الاقتصاد بأوقات بالغة الصعوبة في محاولة لتحقيق معدلات نمو تماثل ما تحقق خلال الفترة التي سبقت الربيع العربي. إذ تزايد وجود تنظيم القاعدة في الشمال الأفريقي خلال السنوات القليلة الماضية، وجاء عدم الاستقرار في ليبيا المجاورة ليضيف المزيد من القلق بشأن الوضع الأمني في تونس، التي اعتادت التباهي بإيراداتها الوفيرة من السياحة. وأخيرًا، هناك الوهن الذي أصاب الطلب على الصادرات التونسية إلى الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأهم لتونس.
مع ذلك، لا يشكل كل هذا سوى جزء من المشكلة. فربما يتغير وضع السوق الأوروبية، وربما تتمكن الحكومة التونسية من إثبات قدرتها على إشاعة الأمن في البلد، لكن ستظل تونس تواجه المشكلة المزعجة لاتساع البطالة وسط الخريجين، فمعدل البطالة البالغ 30% في أوساط الخريجين ليس نتيجة أزمة بطالة ناتجة عن التقلبات الإقليمية والعالمية، وإنما هو نتيجة مشكلة بطالة هيكلية.
يقول أحدث تقرير لمؤشر التنافسية العالمية -الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي- إن سوق العمل التونسية فشلت في حشد طاقات الشباب لخلق الوظائف والنمو. وإذا تجاوزنا هذا التشخيص المقتضب، وحاولنا الغوص في بعض التفاصيل، سنكتشف بضع ظواهر تضافرت لتصنع هذا الإعصار من بطالة الشباب، مثل: الفجوة بين العرض والطلب على العمالة، وسوق عمل بالغة الجمود، وقناعات ثقافية مستقرة تجاه العمل الحر وريادية الأعمال.
دأبت الحكومة التونسية منذ الستينيات على ضخ ملايين الدولارات في منظومتها التعليمية، على الورق على الأقل. وتعد منظومة التعليم العالي التونسية من بين الأفضل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يحصل على الدرجات الجامعية أعداد أكبر بشكل مطرد من الطلاب التونسيين (وبالمناسبة، فإنه منذ بدء الحكومة للاستثمار بكثافة في التعليم كانت الأغلبية للإناث).
ومع ذلك لا تزال هناك فجوة بالنسبة للمهارات، حتى إن الشركات التونسية لا تستطيع الحصول على عمالة مؤهلة لشغل وظائف بها. ويشكو أصحاب المشروعات من كون التعليم الجامعي لا يعمل ببساطة على إعداد الطلاب المناسبين للوظائف المتاحة، فربما كانوا يحملون الشهادات، لكنهم يفتقرون إلى المهارات التقنية. فعلى سبيل المثال، تخرج في الكليات التونسية مئات المهندسين الذين تلقوا معارف الرياضيات والعلوم، ولكن مديري الشركات الصناعية التونسية يبحثون عن عمالة تتمتع بالخبرة في العمل التقني التطبيقي.
ومن العوامل الأخرى المتسببة في بطالة الشباب التونسي: الجمود الذي تتصف به سوق العمل، وهو ما كشف عنه بوضوح تقرير مؤشر التنافسية العالمية هذا العام. فمن بين 138 بلدًا جاءت تونس في المركز 83 من حيث المؤشر العام للتنافسية، لكن ترتيبها فيما يتعلق بكفاءة سوق العمل أكثر قتامة، فقد جاءت سوق العمل التونسية في المركز 132 من بين الـ 138 بلدًا.
استشهد المستطلع آراؤهم في التقرير بـ"لوائح العمل المقيِدة"، باعتبارها واحدة من أكبر العوامل التي تمثل عائقًا أمام ممارسة بالأعمال، وحلت في الترتيب قبل "عدم الاستقرار الحكومي/تقلبات الحكم". فمثلاً هناك التكلفة العالية جدًّا للتعيين والفصل. كما أن أرباب العمل التونسيين يدفعون للعاملين لديهم واحدًا من أعلى المعدلات -عالميًّا- التي يدفعها أرباب العمل كمزايا لا تتعلق بالأجور. وفوق هذا لا تشعر الشركات غالبًا بالحرية في فصل العاملين بها، خشية الدعاوى القضائية التي ترفعها النقابات؛ مما يسهم في تناقص إنتاجية العمل، فالعاملون يتمتعون بأمان وظيفي تام، ومن ثم لا يحتاجون للدخول في منافسة مع آلاف الباحثين عن عمل في السوق.
وعلى الرغم من حديثنا السالف عن فجوة المهارات وسوق العمل، هناك عامل آخر قد يكون أكثر إضرارًا بتشغيل الشباب في تونس. فما زالت هناك وظائف متاحة في تونس، ناهيك عن الفرص التي تخلقها مجالات الأعمال الجديدة التي تنشأ، لكن الواردين الجدد إلى سوق قوة العمل -خاصة خريجي الجامعات- قد لا يكونون مرحبين بهذه الفرص، فقد عاش التونسيون قبل ثورة ديسمبر 2010 تحت وطأة حكمين استبداديين لثلاثين عامًا، وكل منهما دعم التوسع الكبير للبيروقراطية التي استوعبت جزءًا كبيرًا من الطبقة الوسطى المتعلمة هناك.
لكن حكومة ما بعد الثورة -بغض النظر عمن يقودها- لا تستطيع أن توفر للخريجين الجدد الوظائف التي اعتادوا الحصول عليها. ونظرًا لاضطرارهم البحث عن عمل في مجال آخر، ونتيجة للعراقيل التي ذكرناها سالفًا، فإن أولئك الذين بدءوا في إنشاء مشروعاتهم الخاصة ينظرون إلى هذه المشروعات باعتبارها تدبيرًا مؤقتًا، كشيء ما يدعمهم حتى يتمكنوا من الحصول على "وظيفة حقيقية". أي أنهم لا ينظرون لأنفسهم كرياديي أعمال، فهم ما زالوا يتطلعون إلى شيء ما "أكثر استقرارًا"، ومن ثم يقل احتمال استثمارهم في هذه المشروعات أو التوسع فيها، وبالتالي تشغيل عاملين جدد.
إن فجوة المهارات، وجمود سوق العمل، والتحفظ إزاء اتباع طرق غير تقليدية في التشغيل.. كلها كانت سابقة على الثورة، ولا يبدو أنها مشكلات يمكن حلها بسهولة. هناك إذن ما يدعو فعلاً لتسميتها "البطالة البنيوية"، لكن بعد عامين من الثورة تلقي هذه المسائل بظلها الثقيل على الانتقال الديمقراطي. ولا شك أن بذل الجهود للتعامل مع هذه البطالة البنيوية -بشكل عاجل دون انتظار- سيحقق فوائد بعيدة المدى للخريجين التونسيين، والطلاب الحاليين، وللاقتصاد ككل. وهي الجهود التي يجب أن يشترك فيها جميع الفاعلين، من صناع السياسات بطبيعة الحال، إلى التربويين، ورجال الإدارة، والباحثين عن عمل، والقطاع الخاص.