المظالم التي أدت إلى الربيع العربي لم تُعالَج في اليمن بعد

شارك

[addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_pvdf"]

كتب: ماتيو جودوين
مساعد برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مركز المشروعات الدولية الخاصة

هذه المدونة مترجمة عن الأصل باللغة الإنجليزية: Arab Spring Grievances Still Not Being Addressed in Yemen

منذ أكثر من عامين تسببت حادثة انتحار البائع التونسي المتجول محمد طارق بوعزيزي في إشعال سلسلة من الاحتجاجات قادت بالفعل إلى تغيير نظم، وأشاعت وعودًا بالإصلاح في مختلف أرجاء العالم العربي. لكن الأسباب الجذرية لإحباط بوعزيزي لم تُعالَج حتى الآن في بلدان، من بينها اليمن.

ففي عام 2011، وبعدما صودرت بضاعته بسبب عجزه عن دفع رشوة، أقدم بوعزيزي على الانتحار حرقًا نتيجة قهره بضغوط الفقر والحرمان، وكانت هذه الحادثة المأساوية هي البداية لما عرف بعد ذلك بالربيع العربي، والذي يقال عنه إنه الموجة الجيو-سياسية الأعظم منذ سقوط حائط برلين.

لكن وعد الديمقراطية لم يتحقق بعد لملايين الباعة الجائلين وغيرهم ممن يعملون بالقطاع غير الرسمي، فما زالوا عرضة للابتزاز والمضايقات وغيرها من التجاوزات. وبدون معالجة الأسباب الجذرية للربيع العربي، تبرز مخاطر أن تفقد ديمقراطيات ناشئة -مثل اليمن- التأييد الشعبي والمشروعية التي تعد أساسية لبناء ديمقراطية مزدهرة.

وقد قام الاقتصادي البيروني هيرناندو دي سوتو (Hernando De Soto) ببحث حول الظروف التي عمل بوعزيزي في إطارها، واستخلص أنه كان على بوعزيزي "كي يبني مشروعًا قانونيًّا صغيرًا أن يرخص له حق الملكية، وهو ما كان يتطلب 55 خطوة إدارية، على مدى 142 يومًا، وبتكلفة تعادل 3233 دولارًا أمريكيًّا (أي ما يوازي 12 ضعف للدخل الشهري الصافي لبوعزيزي)".

وبرغم أنه لم تُجر في اليمن دراسة مماثلة، فإن التحديات التي تواجه بائعًا متجولاً مثل بوعزيزي حين يريد الدخول في الاقتصاد الرسمي، ستكون بالتأكيد كبيرة. ويأتي اليمن في ترتيب متأخر جدًّا عن موقع تونس في تصنيف البنك الدولي حول ممارسة الأعمال، ويتضح منه أن بدء المشروعات في اليمن يتطلب 40 يومًا على الأقل، وقرابة 9 أضعاف متوسط الدخل الشهري هناك. غير أن الباعة الجائلين يكسبون دخولاً أقل بكثير من متوسط الدخل الشهري الوطني، كما أن الوقت الفعلي اللازم لبدء النشاط قد يكون أكبر كثيرًا نتيجة مشكلات الفساد، والأمن، والبيروقراطية.. إلخ، وهي مشكلات يصعب ظهورها في تقارير تستند إلى الإجراءات الرسمية لتسجيل للمشروعات. وعلى أية حال، فإن عقبات الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي، ما زالت من الصعب تذليلها بالنسبة لغالبية الباعة الجائلين في اليمن، مثلما الحال في بقية البلدان العربية.

تشير معظم التقديرات المتعلقة بالاقتصاد غير الرسمي في اليمن إلى أنه يمثل ما بين 25% و30% من الناتج المحلي الإجمالي، وإلى أن 70% أو أكثر من العاملين باليمن يعملون في القطاع غير الرسمي. ومعنى ذلك تجاهل السياسات الرسمية لمعظم قوة العمل الوطنية، وأن نسبة كبيرة من القاعدة الضريبية المحتملة لا تسهم كإيرادات في تمويل خدمات حكومية مثل التعليم، وحفظ الأمن، والرعاية الصحية، والبنية التحتية. وإذا أريد للديمقراطية أن تنجح لابد من وصول الحماية والخدمات الحكومية للقطاع غير الرسمي، كما ينبغي على هذا القطاع أن يدفع الضرائب للحكومة المركزية.

يحتاج الاستقرار في اليمن إلى سلطة مركزية تؤدي وظائفها بشكل فعال، وهو ما يتطلب قاعدة ضريبية قوية. وستتمكن الحكومة المركزية من توسيع القاعدة الضريبية بدرجة كبيرة من خلال إدماج الباعة الجائلين (وغيرهم من العاملين بالقطاع غير الرسمي) في إطار الاقتصاد الرسمي، حيث تُقدر تعاملات الاقتصاد غير الرسمي بما يقارب ثلث الاقتصاد اليمني. وستؤدي زيادة الإيرادات الضريبية إلى تعظيم قدرة الدولة على تعزيز الاستقرار وتقديم الخدمات لمواطنيها؛ مما يؤدي بالضرورة إلى تحقيق إنتاجية اقتصادية أعلى، وإيرادات ضريبية أكبر، وزيادة قدرات الحكومة، وهو ما يشكل دائرة حميدة من الاستقرار والإنتاجية. وفي الوقت نفسه، سيؤدي تقليص الأنشطة غير الرسمية إلى الحد من الفساد وعلاج المظالم، وكلاهما يقوضان الاستقرار الوطني.

وتكمن وراء ضخامة القطاع غير الرسمي في اليمن، مشكلات معقدة تتعلق بمؤسسات وسياسات وممارسات الحوكمة. ويصنف البنك الدولي اليمن في المرتبة 118 (من إجمالي 185 بلدًا) على مؤشر ممارسة الأعمال، حيث هبط اليمن بقيمة 17 نقطة عن العام 2012، كما هبط التصنيف الخاص ببدء المشروعات 46 نقطة، كما هبطت أيضًا جميع المؤشرات الأخرى. يبلغ متوسط دخل المواطن اليمني في العام 938 دولارًا أمريكيا، ويتراوح معدل البطالة الرسمي بين 35% و40%، ومن هنا تتضح الأهمية الملحة لإصلاح بيئة الأعمال بما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية الاقتصادية، ورفع مستوى تشغيل العمالة. ولما كانت مشكلة النشاط غير الرسمي بهذا المستوى من الضخامة، فإن الأمر يقتضي البدء بإصلاحات اقتصادية واسعة.

ويجب على المنظمات المدنية المحلية، وجمعيات الأعمال -باعتبارها الرابط بين الحكومة والمواطنين- أن تضغط لإدخال إصلاحات تستهدف تقليص كلفة وإجراءات بدء وتشغيل المشروعات. وهناك بالفعل مساحة كبيرة للعمل في هذا الاتجاه، مع الاستمرار الناجح لفعاليات الحوار الوطني اليمني، حيث تجتمع الفصائل السياسية المختلفة لمناقشة أهم التحديات الوطنية قبل كتابة دستور جديد وإجراء الانتخابات، وتبدو الظروف مهيأة اليوم لإحداث التغيير.

Hello World!

TOP