كتبت: ريم عبد الحليم
كتب هذه المدونة ريم عبد الحليم وتم مناقشتها في الوبينار الخاص بأصحاب الفكر الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط عقده مركز المشروعات الدولية الخاصة في 26 سبتمبر 2017
ينقسم دعم الغذاء في مصر إلى دعم الخبز ودعم السلع التموينية، ولفترة طويلة قبل الإصلاح الأخير في نظم الدعم كان دعم الخبز يلتهم ما يزيد عن 65% من دعم الغذاء الذى بلغ في عام 2013/ 2014 نحو 34 مليار جنيه مصري.
قبل استخدام الكروت الذكية، كان الدعم مفتوحا من حيث الكمية والمستفيدين، فمكن لكل فرد الحصول على رغيف خبز مدعوم في أي وقت وبأي عدد من الأرغفة، ولم يكن ذلك دون تكلفة حقيقية، حيث كان النظام يقوم حتى عام 2014 على دعم الطحين (الدقيق)، فيحصل كل مخبز بلدى على كمية من الدقيق بسعر زهيد لصنع الخبز المدعم المسعر كذلك.
نتج عن هذا النظام فقدان ما يزيد عن 80% (وفق تقدير بعد الدراسات الخاصة بالبنك الدولي) من الدقيق، حيث يقوم المخبز ببيع الدقيق في السوق السوداء بسعره الحقيقي في السوق لمحلات الحلويات ومخابز الرغيف الفاخر غير المدعم.
ثلاثة أسس حكمت مرحلة الإصلاح وهى:
• عدد محدد من الأرغفة لكل فرد
• دعم الرغيف وليس الدقيق
• حساب معادلة "الدعم المحدد لكل رغيف* عدد الأرغفة المحدد لكل فرد* عدد السكان"= مخصصات الدعم التي بدأت تظهر في الموازنة منذ تطبيق الإصلاح في 2015.
المكاسب كانت واضحة:
• 41% من الوفر في الهدر في الدقيق كما قدرته الموازنة العامة للدولة 2016/ 2017.
• وفر في الدعم وزيادة محدودة جدا في مبالغ الدعم.
• توقف الشكاوى من طوابير الخبز الطويلة
ولكن بقيت مشكلة المتنقلين، فنظام الكروت التي يصرف عليها الخبز ترتبط بعدد السكان في كل منطقة، ومن ثم تم السماح لصاحب المخبز بحمل "كارت ذهبي" عليه عدد من الأرغفة وهنا كانت المشكلة. وفق تصريحات وزير التضامن المصري دكتور على مصلحي فأصحاب المخابز يسجلون سحوبات وهمية على الكارت الذهبي، بما استدعى الغاءه فى خطوة لاقت مقاومة شديدة من أصحاب المخابز قبل المواطنين بالطبع!
فساد آخر حدث في مقومات رغيف الخبز نفسه بتقليل كمية الدقيق فيه وعمل أرغفة زيادة تباع خارج حصة الفرد بقيمة "35 قرش للرغيف" أي غير مدعمة.
برغم ذلك لا تزال الرحلة تسير في الاتجاه الصحيح في إصلاح دعم الخبز في مصر، وهى دعم المنتج النهائي وليس الوسيط.
المكون الثاني بعد الخبز هو السلع التموينية، أو "بطاقة التموين" التي يعرفها كل مصري منذ عهد جمال عبد الناصر، بطاقة يحصل بها المصري على سلع تموينية شهرية سواء كان زيت او سكر او شاى او عدس أو مكرونة أو أرز بكميات محددة.
89% من الأسر المصرية كانت مسجلة على بطاقات التموين، لا يحصلون كلهم على تموينهم، بل كثير منهم نسي أنه يملك بطاقة قديمة موروثة لأسرته، ولم يذهب لتحديث بياناته عن المتزوجين أو المتوفين، ومن يحتاج كان يذهب فقط لإضافة المولود الجديد بحد أقصي أربع أفراد للأسرة.
نظام حفز على السرقة، بل أصبح البقال التمويني يوسع في ثرواته الشخصية – حال فساده بالطبع- بتسجيل بيوع وهمية للأسر التي تخلفت عن تحديث بياناتها وهى في الحقيقة بيوع بأسعار كبيرة بما يحوزه من سلع بأسماء مواطنين لم يحدثوا بياناتهم، في الوقت نفسه كانت الأسر التي تحصل على تموينها الشهري تحضر التموين كاملا حتى للمتوفى وتوزيع السلع على جيرانها وأقاربها من الفقراء في صور تعاون غير رسمي.
تغير النظام بتطبيق أول مراحل الميكنة في عام 2008 بعدم صرف مستحقات البقال التمويني إلا بخصم نقاط التموين من قبل الأسرة فعليا على بطاقات مميكنة.
ثم في عام 2015 كان الإصلاح الأكبر، 15 جنيه للفرد، بحد أقصي 60 جنيه للأسرة على بطاقة مميكنة مربوطة بنظام دقيق. تحصل به الأسرة على سلع لا تتجاوز هذه القيمة بأسعار مدعمة.
في الوقت نفسه جارى تنقيح قواعد البيانات من المتوفين، وفصل الأسر، وربط الاستفادة بحد أدنى للأجر تحصل عليه الأسرة، وهو ما يصعب جدا إثباته في دولة قوامها العمل غير الرسمي.
النظام وفر كثيرا في الهدر والسرقة بالفعل، وقدم سلع أجود للمواطن، ولكن أثار تساؤلات ماذا يحدث مع ارتفاع الأسعار؟ هل نحتاج لقرار جمهوري برفع قيمة مستحقات الفرد على البطاقة كل فترة لمواجهة التضخم؟ وماذا لو نفذت السلع الأساسية؟ هل يحصل الفرد على دجاجة مدعومة دون زيت أو أرز للطعام؟
إصلاح الدعم في مصر يسير في اتجاه صحيح من الناحية المؤسسية، ولكن يحتاج ضمانات اجتماعية لوصوله لمستحقيه وعدم تأثيره على الفئات التي تحتاجه لتبقى بالكاد فوق خط الفقر.