هل التخلي عن التصنيع يهدد الديمقراطية؟

شارك

[addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_pvdf"]

كتب- جون كستر
منسق الإعلام الاجتماعي والاتصال بمركز المشروعات الدولية الخاصة

هذه المدونة مترجمة عن الأصل باللغة الإنجليزيةIs Deindustrialization a Threat to Democracy

 اتبعت معظم البلدان الغنية مسارًا تاريخيًّا واحدًا في التنمية الاقتصادية، تمثل في حقبة من التصنيع، أعقبها زيادة الإنتاجية، ثم التحول من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد الخدمات. لكن الاقتصادي "داني رودريك" (Dani Rodrik) يرى أن البلدان النامية اليوم تتخلى فيما يبدو عن التصنيع في مرحلة مبكرة، وأن هذه العملية يمكن أن تهدد التطور الديمقراطي.

ففي الولايات المتحدة، بلغ التوظيف بالصناعة نقطة الذروة بالوصول إلى مستوى 27% من قوة العمل، ثم مع الانتقال إلى الاقتصاد الخدمي أصبح التوظيف في الصناعة أقل من 10%. وقد اتبعت البلدان الغربية الأخرى مسارًا مماثلاً، حيث بلغت ذروة التوظيف في الصناعة 40% من قوة العمل، ثم بدأت النسبة في التراجع بشكل مطرد.

غير أن "رودريك" يبين أن الاقتصادات الناشئة في عصرنا تحقق هذا التحول عن التوظيف في الصناعة في مرحلة مبكرة جدًّا، فحتى القلعة الصناعية بالصين يبدو أنها لم توظف في الصناعة أكثر من حوالي 15% من سكانها، بل إن هذه النسبة نفسها آخذة في التراجع الفعلي برغم استمرار الاقتصاد الصيني في النمو.

وما تزال الأسباب والتبعات الاقتصادية لهذا النمط الجديد غير واضحة، وهو أمر مثير للقلق حسب "رودريك"، فتلك البلدان بدأت في التخلي عن التصنيع في مراحل مبكرة من حيث النصيب المتحقق للفرد من الناتج المحلي الإجمالي (2000 دولار في الهند، 3000 دولار في الصين، 5000 دولار في البرازيل، مقارنة بما يتراوح بين 9000 و11000 دولار في البلدان الغربية التي سبق أن مرت بالتصنيع ثم قل التوظيف فيه). لكن هذا يمكن أن يكون ببساطة ناتجًا عن آثار التكنولوجيات الجديدة والأنماط الجديدة للتجارة الدولية، إذ إن الاقتصاد الخدمي في البرازيل أو الهند يمكن أن يتفوق في العقد الثالث من القرن الحالي، بالضبط مثلما تفوق الاقتصاد الصناعي في كوريا الجنوبية في ثمانينيات القرن العشرين.

غير أن المشكلة الأكبر التي يشير إليها "رودريك" تتعلق بما يمكن أن يمثله أثر هذا التحول على تنمية الديمقراطية، حيث سبق للأخيرة أن نشأت في البلدان الغنية في أعقاب التنمية الصناعية. وتعد الحياة السياسية القائمة على الأحزاب والاصطفاف سواء في جانب اليمين أو اليسار، ملمحًا لجميع الديمقراطيات الناضجة والمستقرة تقريبًا. وفي المجتمع الصناعي تقود الصراعات على أرض المصنع بين العمال والإدارة إلى حلول سياسية، حيث تتعلم الأحزاب (المنظمة حول أفكار وليس حول الدين أو العرق أو الأشخاص) التحاور حول أفضل أوضاع التنظيم والضرائب والخدمات العامة من خلال العملية الانتخابية. (لا يذكر "رودريك" في مقاله أن التصنيع يقود أيضًا إلى تطوير شركات كبيرة ذات طابع رسمي وغالبًا مدرجة في البورصة، وهو ما يمكن أن يمثل رهانًا سياسيًا أيضًا في الأداء المنتظم للديمقراطية).

وإذا كان "روردريك" محقًّا في طرحه بأن تنمية الديمقراطية التي نعرفها هي من ثمار الرأسمالية الصناعية، فإن العواقب المحتملة للتخلي السابق لأوانه عن التصنيع يمكن أن تمتد إلى خارج المجال الاقتصادي. فقد كتب على سبيل الخلاصة:

لقد نمت عادات الوصول إلى حل وسط، وتحقيق التسويات، نتيجة تاريخ الصراعات في مواقع العمل الصناعية بين العمال وأصحاب رؤوس الأموال. وبالنظر إلى التخلي السابق لأوانه عن التصنيع في البلدان النامية اليوم، فإن هذا سيجبرها على المرور بمسارات مختلفة -غير معروفة حتى الآن، وربما وعرة- نحو تحقيق الديمقراطية والحوكمة الرشيدة.

Hello World!

TOP