كتب: كمال إسماعيل علام
باحث السياسات العامة بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة
تُعد الصناعة إحدى أهم الركائز التي تقوم عليها التنمية الاقتصادية المستدامة في المجتمعات المعاصرة، وتبرز أهميتها في قدرتها على الإرتفاء بمستوى معيشة الشعوب، وخاصة فى ضوء ما تتمتع به من وجود درجة عالية من التشابك القطاعي فيما بينها وبين غيرها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وهو ما يؤهلها للقيام بدور رائد في قيادة وجذب كافة قطاعات الاقتصاد القومي إلى المزيد من الإنتاج والتشغيل والنمو، وجميعها عناصر تساهم بشكل فعال فى تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة.
وقد تضمنت عدة تقارير صادرة مؤخراً عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO) إلى أنه ينبغي ألا يقل مقدار مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي عن 25% وذلك لكي يحقق الدور المنوط به في احداث التنوع والتحول الهيكلي المطلوب في أي اقتصاد قومي.
إلا أنه بالنظر إلى واقع قطاع الصناعة المصرية نجد أن نسبة مساهمته في الناتج المحلى الإجمالي أقل من ذلك بمقدار النصف تقريباً، كما أظهرت أزمة تعثر سلاسل الإمداد التي يعاني منها الاقتصاد العالمي- والناتجة عن أزمات جائحة كورونا (Covid-19) والحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، ضعف سلاسل الإمداد الصناعية المحلية وارتفاع درجة تبعيتها واعتماديتها على العالم الخارجي، حيث تمثل واردات مصر من مستلزمات الإنتاج الأولية والسلع الوسيطة حوالي 44% من إجمالي الواردات المصرية، وهو الأمر الذي يتطلب طرح وتنفيذ مجموعة من البرامج والسياسات الفعالة والعاجلة لتوطين وتعميق الصناعة المحلية في مصر.
وإذا ما أردنا رسم خارطة طريق لتعميق الصناعة المحلية في مصر، علينا أن نبدأ أولاً بتحليل جوهو المشكلة وتفكيكيها للوقوف على درجة تعقيدها وتشابكها، حيث تُعد مشكلة ضعف القيمة المضافة بالصناعة المصرية؛ والناتجة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة لضعف سلاسل الامداد والتوريد المحلية، فضلا عن ضعف حوافز الاستثمار في مجال البحوث والتطوير (R&D) بالقطاع الصناعى، من المشكلات المركبة، والتي يعتمد تنفيذ أي سياسة جديدة لتذليلها وحلها على العديد من الأطراف الفاعلة على اختلاف أهدافهم ومصالحهم، وخاصة أنه يوجد لدى كل طرف منها غرض ووظيفة وأولويات تختلف بدرجة أو بأخرى عن باقي المؤسسات، ومن ثم فإن سلوك وكفاءه إدارة أداء تلك المؤسسات مجتمعة هو ما سيتوقف عليه نجاح أو فشل أي مسار أو مساعي مقترحة لتعميق الصناعة المحلية فى مصر.
وعليه، فلابد وأن تنطلق أي خطط أو محاور للتحرك لتحديد الخيارات أو البدائل المختلفة لتطبيق السياسة العامة الجديدة لتعميق الصناعة في مصر، من الأهمية القصوى لتعزيز درجة الروابط الأمامية والخلفية لتعظيم القيمة المضافة للصناعة المصرية، وكذا المصالح المشتركة بين كافة الأطراف الفاعلة بها، وذلك وفقاً لعدد من المحددات الهامة يتمثل أهمها في البدء بالصناعات ذات العلاقات التشابكية القوية مع باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، وفقاً لاعتبارات القدرة على النمو السريع، القيمة المضافة، وتوفير فرص العمل، فضلاً عن أهمية دراسة هيكل تكاليف كل قطاع صناعي ووضع خطة لاستهداف خفض تلك التكاليف، مع ضرورة قيام الحكومة بوضع خطة لتحفيز المستوردين على إقامة مشروعات صناعية وانتاجية بديلا لاستيراد المنتجات تامة الصنع من الخارج.
كما يجب أن تكثف الحكومة المصرية أيضاً من جهودها المستمرة في إقامة التجمعات الصناعية العنقودية أو التكاملية (Cluster Industries) بشكل خاص، حيث تساعد تلك التجمعات على تخفيف الأعباء المادية والفنية لسلاسل الانتاج والتوريد المحلية، فضلا عن أهمية دعم مشروعات ريادة الأعمال وخاصة الصناعية والانتاجية منها وعدم الاقتصار على دعم المشروعات الخدمية فقط، مع أهمية تكوين شراكات مستدامة بين المنشآت الصناعية والموردين المحليين، هذا بالإضافة الى حصر الطاقات الإنتاجية المعطلة في الصناعات المختلفة وطرح برنامج متكامل لتشغيل وتطوير تلك الطاقات الإنتاجية غير المستغلة، مع أهمية سرعة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المتخذة مؤخراً من قبل الدولة كوثيقة ملكية الدولة والتى تم اطلاقها في يونيو 2022 بهدف تنظيم تواجد الدولة في النشاط الاقتصادي وتمكين القطاع الخاص وتعزيز فرص تواجده ومساهمته في كافة الأنشطة الاقتصادية.
وأخيراً، يمكننا القول بأن مشروع توطين وتعميق الصناعة في مصر يجب أن يأتي على رأس أولويات أجندة صانع القرار المصري؛ كأحد المشروعات القومية أو الاستراتيجية، وذلك نظرا لتأثيره الإيجابي والفعال على مجمل المؤشرات الاقتصادية الكلية، فضلاً عن مساهمته الكبيرة في الحد من التداعيات العالمية المتنوعة والمتتالية على الاقتصاد المصري لاسيما ما يتعلق منها بارتفاع الأسعار والتضخم المستورد الناتج عن ارتفاع تكاليف الاستيراد من الخارج.
* الآراء الواردة بالمقال تعبرعن رأي كاتبه، ولا تعكس بالضرورة عن رؤية مركز المشروعات الدولية الخاصة