كتب: سيف الخوانكي
معظم الدول النامية تواجه تحدي كبير متعلق بالتعامل مع ملف الدعم السلعي. فمن ناحية يعاني الناس من حالة اجتماعية وصحية واقتصادية شديدة التدهور تجعلهم في امس الحاجة للدعم ليساعدهم على البقاء. ومن ناحية أخرى، مع مرور السنين واضح أن حياة الناس لا تتغير ولا تتطور لكن مستوى الخدمة المدعومة سواء كانت غذاء او كهرباء او تعليم هو الذى يتدهور.... في حين زيادة الانفاق على تلك الخدمات مع تفاوت الأسعار العالمية وزيادة عدد السكان يمثل عبء كبير على الدولة. ولذلك دائماً تكون إشكالية الدعم على رأس أولويات الحكومات في منطقتنا العربية.
وفي التعامل مع قضية بحجم الدعم السلعي علينا مراعاة عدة نقاط هامة:
نعم لدعم الأفراد لا لدعم السلعة
أكثر الدول تقدماً تدعم الفقراء في عدة خدمات ولكن الاختلاف هو في ألية الدعم. المشكلة في كثير من البلدان العربية مثل مصر وتونس والعراق ولبنان إن الدعم هو دعم على السلعة وليس دعم للأفراد. وبالتالي على سبيل المثال لو تم دعم الكهرباء فإن الأغنياء هم أكثر المستفيدين من الدعم لأنهم أكثر استخداما للكهرباء من الفقراء بشكل عام. وكذلك البنزين فالأغنياء أو على الأقل الطبقات المتوسطة ميسورة الدخل هم الأكثر امتلاكا للسيارات وبالتالي فإن الفقير لا يستفاد من الدعم برغم من استنزاف الدعم لنسبة كبيرة جدا من موازنة الدولة. ومن هنا تأتي أهمية إحداث تغيير هيكلي بحيث انه يتم دعم المستحقين للدعم مباشرة حيث ان المواطن سيستفاد بشكل أكبر وسوف نحد من عدة ظواهر أخرى مثل الإهدار. والبديل في هذه الحالة سيكون إما الدعم المالي المباشر أو عن طريق الكوبونات أو الكروت الذكية.
الدعم اهدار مال عام
الإهدار عموماً يكون نتيجة طبيعية لدعم السلعة وليس الأفراد. فبالإضافة إنه لا يصل إلى مستحقيه، يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدة ممارسات فاسدة. فهناك مثلاً المنظومة السابقة لدعم الدقيق في مصر التي تشكلت حولها مجموعة من المصالح بين أصحاب المخابز وبعض الموظفين وأصحاب المخابز الخاصة. في بعض الممارسات تم رصد بيع الدقيق المدعم إلى أصحاب المخابز الخاصة لبيعه للمستهلك الأغنى بسعر مرتفع في حين لا يجد المستحق للدعم الخبز نظراً لبيع الدقيق بممارسات فاسدة. كما أن توافر السلع بسعر رخيص يعد حافز على زيادة الاستهلاك ومن ثم تحميل الدولة أعباء إضافية. فعلى سبيل المثال توفير الكهرباء بسعر مدعم في لبنان أدى إلى زيادات غير محسوبة في معدلات الاستهلاك مما يؤدي إلى التحميل على المحطات وبالتالي تنقطع الكهرباء بصورة متكررة في لبنان نتيجة لذلك وعوامل أخرى ثانية. والحد من الإهدار يتطلب تطوراً في أداء الجهاز الإداري للدولة لمكافحة الفساد بالإضافة إلى الاستعانة بالابتكارات التكنولوجية كما حدث حديثا في مصر من خلال تنظيم دعم الدقيق بالكروت الذكية.
وصول الدعم لمستحقيه
التحدي الأصعب هو معرفة من هو المستحق الحقيقي للدعم. فإذا اتفقنا من الناحية النظرية أن دعم الأفراد أفضل من دعم السلع فكيف نحدد هؤلاء الأفراد. وهنا تجدر الإشارة أن نسبة العاملين في القطاع غير الرسمي في وطننا العربي عالية جداً ويصعب معها معرفة دخل المواطنين لأن المعاملات غير مسجلة وما يتم إثباته في الدخل الرسمي مختلف في كثير من الأحيان بنسبة كبيرة جداً عن الدخل الحقيقي. وهنا جاءت فكرة تصنيف السكان حسب الاستهلاك والإنفاق وليس مستوى الدخل. بمعنى معرفة إنفاقهم فى التعليم والعقارات والسيارات وفواتير الكهرباء والمصروفات الأخرى. هل هذا ممكن؟ الإجابة نعم وذلك بربط قواعد بيانات المواطنين بحيث يتم تسجيل الرقم القومي أو رقم الهوية عند أي من المعاملات السابقة. فلكي تتم المعاملة عند شراء السيارة يجب تسجيل المعاملة بالرقم القومي وهكذا. وبالتالي يمكننا في هذه الحالة معرفة مستوى الإنفاق والاستهلاك وتحديد المستوى المعيشي ومدى استحقاق الفرد للدعم. وباستخدام ربط قواعد البيانات نستطيع تقليل الإهدار وإيصال الدعم إلى مستحقيه.
الدعم تحسين جودة الخدمات المقدمة
توصيل الدعم إلى مستحقيه هو الشق الأول أما الشق الثاني هو توفير الخدمة بشكل جيد. فماذا سنستفيد إذا تم توصيل الدعم إلى الفئة المستحقة ولم يستفيدوا بالخدمة لتدني مستواها؟ وهنا يأتي دور القطاع الخاص في تحسين مستوى الخدمة المقدمة بل ايضاً في تقليل سعرها. فإذا تم فتح المجال للقطاع الخاص في لبنان على سبيل المثال لتوفير الكهرباء فالمنافسة بين الشركات المقدمة لخدمة الكهرباء سوف تجعل كل شركة مرغمة على توفير افضل خدمة بأقل سعر لتوسيع قاعدة المستخدمين. وعلى النقيض، فإن احتكار تقديم الخدمة لا يمثل أي حافز لضمان جودتها أو تقليل سعرها لأنه لا يوجد منافسة. كما أن القطاع الخاص نتيجة التنافس بمقدوره تقديم حلول مبتكرة بخصوص المشكلة المستعصية مثل المواصلات العامة في مصر.
ولمزيد من التفاصيل يمكنكم قراءة المدونات التي أعدها باتريك ماردينى وريم عبد الحليم عن هذا الموضوع.