كتب: أيمن سالم
المدير التنفيذي، جمعية سوا لدعم المشروعات الصغيرة والحفاظ على البيئة، نجع حمادي، محافظة قنا
من أهم المشكلات التي تواجه عملية التنمية في جنوب الصعيد غياب دور فعال لطبقة رجال الأعمال والمستثمرين في تبني مبادرات جريئة ومدروسة لخلق مناخ مواتٍ للاستثمار والتنمية، خاصة في مناطق الظهير الصحراوي الغربي الواعد بالتنمية الصناعية والتعدينية والعمرانية، فضلا عن الأفق المفتوح لاستصلاح المزيد من الأراضي الزراعية، تعويضًا عن مئات الآلاف من الأفدنة التي تحولت إلى أحياء سكنية عشوائية بمحاذاة نهر النيل، على حساب التربة الزراعية التقليدية التي تكونت عبر فيضانات النيل منذ آلاف السنين. ولدينا تجربة محددة في محافظة قنا شمالا وجنوبا، وعلى امتداد ضفاف نهر النيل لأكثر من مائتي كيلو متر غرب النهر وشرقه، حيث توجد مصانع السكر والألمونيوم والإسمنت والورق، بالإضافة إلى وجود منطقتين صناعيتين وقوى بشرية من عمالة شابة تهاجر موسميًّا إلى خارج الإقليم، على الرغم من وجود فرص عمل وإنتاج واستثمار لا محدودة، تفتقر إلى التنسيق والتخطيط والتكامل بين القطاعات الثلاثة، الحكومي والخاص والأهلي.
فعلى سبيل المثال، في منطقة شمال محافظة قنا، حيث يوجد مجمع الألمونيوم الضخم على مشارف صحراء (الهو)، الممتدة غربًا حتى حدود محافظة الوادي الجديد، حيث توجد المنطقة الصناعية الثانية بجوار هذا المجمع الذي ينتج آلاف من الأطنان، من المخلفات الصلبة التي تصلح لإعادة تدويرها بشكل آمن بيئيًّا، مع وجود خامات وفيرة للتعدين في هذه المنطقة التي تتقاطع مع خطوط السكك الحديدية، وتربط بين فوسفات أبو طرطور وموانئ البحر الأحمر، الأمر الذي يتيح فرصة ذهبية لفتح منافذ للتعامل مع بلدان قارة آسيا، من خلال انفتاح محافظات الصعيد عرضيًّا على سواحل البحر الأحمر.
وثمة مبادرات عديدة طرحتها جمعيات رجال الأعمال وصغار المستثمرين لإعادة تخطيط استراتيجيات التنمية، بعيدًا عن النظرة التقليدية لربط الصعيد بالعاصمة طوليًّا، وذلك من خلال تدعيم شبكة الطرق السريعة التي تربط الصحراء الغربية بسواحل البحر الأحمر، وفتح أفق التعاون الدولي مع بلدان شرق آسيا؛ للاستفادة من خبرات هذه الدول في صناعات تدوير المخلفات الصلبة والتعدين.
فهناك أكثر من نصف مليون فدان ممتدة من مركز أبو تشت شمال قنا حتى جنوب قنا، صالحة للاستصلاح الزراعي غرب النيل، مع توفر المياه الجوفية بكميات ملائمة، مع إمكانية قيام الصناعات الصغيرة، مثل صناعات الأسمدة العضوية القائمة على إعادة معالجة مخلفات (خبث الألمونيوم) لإنتاج الأمونيا والسماد العضوي.
ونظرًا لغياب التنسيق بين مبادرات التعاون الدولي، والمحليات، والقطاع الخاص، تبقي المنطقة نهبًا للعشوائيات مرة أخرى في عملية استنساخ جديدة لما آلت إليه الأراضي القديمة في وادي النيل الضيق، حتى إن معظم نشاطات جمعيات رجال الأعمال ما زالت قاصرة على تقديم القروض لشباب الخريجين؛ لإقامة مشروعات خدمية، في ظل غياب طموح أكبر في التنسيق ما بين هذه المؤسسات والدولة؛ لاقتحام مناطق الظهير الصحراوي صناعيًّا وتعدينيًّا وزراعيًّا، مع تدعيم مرافق النقل والمواصلات التي تربط نهر النيل غربه بشرقه وصولا إلى موانئ البحر الأحمر، مثل سفاجا والقصير.
وفى ظل غياب قانون فعال لتملك الأراضي الجديدة، صار واضعو اليد يشكلون عقبة أمام التخطيط الكلي لهذه المناطق، التي أصبحت تعاني من ذات المشكلات التي يعاني منها وادي النيل في الأراضي القديمة.