كتب: ماتيو جودوين
هذه المدونة مترجمة عن الأصل باللغة الإنجليزية: Lebanon’s Smoking Ban: Where Do We Go Now?
يعد فيلم "وهلاّ لوين؟" (Where do we go now?)، إخراج نادين لبكي، من أكثر الأفلام اللبنانية نجاحًا خلال العام الماضي، وهو يروي قصة قرية لبنانية نائية يعيش فيها المسلمون والمسيحيون، حيث تحاول نساء القرية حماية بلدتهم من العنف الطائفي المندلع في لبنان، عن طريق منع رجالهن من الاطلاع على أخباره. ويظل مصير القرية طوال الفيلم معلقًا على أدق التفاصيل: هل تستطيع النساء تحطيم جهاز التلفزيون الوحيد بالقرية، والراديو، وإخفاء الأسلحة؟.. يصور الفيلم على نحو جمالي القدرة اللبنانية على التعايش مع التنوع عن طريق تجاهل الحقائق غير السارة، إلا أنه يقدم كذلك صورة رمزية عن الوضع الهش في لبنان.
في رحلة حديثة لي إلى لبنان احتفظت في ذهني بصورة القرية في فيلم لبكي، بينما كنت أستمع إلى مناقشات الناس حول قانون حظر التدخين الجديد، ومدى الضرر الكبير الذي سيلحقه بالاقتصاد. ومثلما كان مصير القرية في الفيلم يتوقف على الراديو، يبدو كأن مصير الاقتصاد يتوقف على تدخين السجائر. ولكن على العكس من "وهلاّ لوين"، لا يشكل الاقتصاد اللبناني كوميديا سوداء تدور على أنغام الموسيقى، وإنما يحدد مصائر ملايين اللبنانيين. فإذا كانت الرفاهية هشة مثل هشاشة قرية لبكي، فلا مناص من التعامل الجدي مع أسباب تلك الهشاشة.
قوبل قانون حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة في لبنان بمعارضة واسعة، بل وحتى باحتجاجات عامة. وعلى الرغم من وجود بعض التأييد لهذا الحظر، ففي تصوري أنه حتى غير المدخنين يرون في القانون إهدارًا لموارد حكومية على الأقل. ونظرًا لأن حوالي 50% من سكان لبنان هم من المدخنين، فلا بد للمرء أن يتوقع معارضة لأسباب شخصية، ولكني سمعت كثيرًا آراء تقول إن القانون سيلحق ضررًا ثابتًا بالاقتصاد لأن الناس ببساطة سيتوقفون عن الذهاب إلى أماكن لن يستطيعوا التدخين فيها. ويعتقد أناس كثيرون -تحدثت معهم- أن حظر التدخين لن يؤدي فحسب إلى تقليل أعداد اللبنانيين الخارجين للتنزه، وإنما سيؤدي إلى إلحاق الضرر بالسياحة أيضًا، حيث ستتضرر سمعة الحياة الليلية في لبنان، التي تستفيد من سياح الخليج الأثرياء، الذين يفضلون قضاء إجازاتهم في أماكن سياحية صديقة للمدخنين.
وكل من زار لبنان يعرف حب اللبنانيين للخروج والترفيه، ومن ثم فإن الاضطرار إلى الجلوس في الأفنية المفتوحة بالأماكن العامة لن يكون سببًا كافيًا كي يقرر الكثيرون المكوث بالمنزل. والأهم أن زوار لبنان الأجانب يأتون في الغالب من بلدان عربية أخرى، قد اعتادوا الحضور للتمتع بالحياة البهيجة في لبنان والتي قد يفتقدونها في بلدانهم، ومن ثم فإن الاضطرار إلى التدخين خارج الأماكن المغلقة لن يزعجهم كثيرًا.
قد لا يكون القانون الجديد معبرًا عن الإرادة الشعبية في لبنان، ولكن يحتمل ألا يضر بالاقتصاد. فالقلق من حظر التدخين ينبع أساسًا من الضرر الحقيقي الهائل الذي أحدثه الصراع في سوريا -والمرشح للاستمرار- بالاقتصاد اللبناني. وفوق هذا، فإن مبعث الغضب -عند الكثيرين- على القانون الجديد، يتمثل في إحباط المواطنين من تركيز الحكومة على التدخين بدلاً من التصدي لمشكلات حقيقية تواجه لبنان، مثل الفساد، وعدم الاستقرار، والركود الاقتصادي. غير أن الجدل الدائر حول قانون حظر التدخين يعطي فكرة معمقة عن بعض جوانب الضعف الرئيسية في الاقتصاد اللبناني.
فإذا كان أمر قليل الأهمية، مثل الحد من التدخين، يسبب قلقًا واسعًا إزاء احتمالات تضرر الاقتصاد، فإن هذا يشير إلى مدى هشاشة الأوضاع الاقتصادية في لبنان. فالاقتصاد اللبناني يعتمد اعتمادًا كبيرًا على السياحة والاستثمار الأجنبي، وكلاهما شديد الارتباط بالاستقرار المحلي والإقليمي. ويرجع السبب في كون هذين القطاعين من القطاعات القليلة المزدهرة في لبنان - إلى حد بعيد- إلى افتقار هذا البلد إلى المؤسسات الضرورية لدعم كل من ريادية الأعمال، وثقة الاستثمار الأجنبي. وبدون آليات تضمن مساءلة الحكومة، والشفافية، وحوكمة الشركات، وحقوق الملكية، وكذا محاربة الفساد، سيظل الاقتصاد اللبناني معتمدًا بشكل دائم على عوامل خارجية غير متحكَّم فيها لضمان استمرار تدفق الإيرادات. ومن الملح للتغلب على هذه الهشاشة أن يعمل لبنان على خفض مستويات الفساد، وتدعيم المؤسسات الضرورية لضمان استمرار تدفق الاستثمار الأجنبي، وتعزيز نمو أكبر لريادية الأعمال الناشئة محليًّا. ومن المؤكد أن دور الإصلاح الاقتصادي في تشجيع الاستثمار وحفز النمو الاقتصادي أكبر من مجر حظر التدخين في الأماكن المغلقة.
إن الضعف الاقتصادي اللبناني يؤكد على أهمية تشجيع ريادية الأعمال والإصلاحات، ويعمل مركز المشروعات الدولية الخاصة مع شريكه المحلي "جمعية التنمية للإنسان والبيئة" (DPNA)، من أجل دعم ريادية الأعمال في مقررات التعليم اللبنانية، بهدف تمكين الشباب من المساهمة في الاقتصاد والمشاركة بفعالية في العملية الديمقراطية. ومن خلال تدريس "مَدخل إلى ريادية الأعمال" (E2E)، في مقرر الاقتصاد بالمدارس الثانوية، يأمل مركز المشروعات الدولية الخاصة والجمعية اللبنانية المذكورة المساعدة في زيادة الاهتمام بريادية الأعمال، والمشاركة المدنية في العملية الديمقراطية، وسط اللبنانيين المنضمين حديثًا إلى قوة العمل.
وبالإضافة إلى تشجيع ريادية الأعمال، يعمل مركز المشروعات الدولية الخاصة مع "الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية" (LTA) في مجال محاربة الفساد، وتيسير المشاركة الأكبر للقطاع الخاص في تعزيز قيام مؤسسات سياسية واقتصادية ديمقراطية، يتم إدارتها بشكل جيد. ويعمل مركز المشروعات الدولية الخاصة مع الجمعية اللبنانية المذكورة على معالجة المجالات الرئيسية التي تحتاج إلى الإصلاح، من خلال تشجيع المواطنين على ممارسة حقوقهم والدفاع عنها في إطار القانون، وتعزيز القاعدة العريضة من المنظمات والمشاركة المدنية، وبناء قدرات المجتمع المدني اللبناني. وقد أدى هذا العمل إلى حدوث تقدم ملموس، لكنه لا يزال بحاجة إلى مزيد من التوسع إذا أريد للبنان أن يطور مؤسساته ومشاركة مواطنيه، وهو الأمر الحيوي لدعم الاستقرار والازدهار الاقتصادي.
بعد الخروج من الحرب الأهلية، فإن أي نظام حقق للبنان مزيدًا من الازدهار كان يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن الحرب الأهلية انتهت بالفعل منذ عقدين من السنين، وما زال لبنان بحاجة إلى التحرك صوب استقرار اقتصادي أكبر، ومساءلة فعالة للحكومة. ولا تتوقف هذه الخطوات على المساعدات الخارجية، وإنما تعتمد على اتساع ريادية الأعمال محليًّا، والإصلاح الاقتصادي، ومشاركة أكثر فاعلية للمواطن في النظام السياسي. وبدون التقدم في هذا الاتجاه سيظل ازدهار لبنان هشًّا مثلما كان الحال في قرية فيلم لبكي، بل إن أقل التطورات الإقليمية شأنًا قد تجعل اللبنانيين يتساءلون: "وهلاّ لوين؟".