التراخيص الصناعية: خطوة للأمام ولكن

[addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_pvdf"]

كتبت: إيزابيل مانكه
مساعدة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في CIPE

قام اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية وتنمية الدخل (FEDA)، شريك مركز المشروعات الدولية الخاصة (CIPE) في مصر مؤخراً بإصدار تقرير سلط الضوء على فجوة التطبيق لقانون صدر عام 2017 وساهم في تيسير عملية الحصول على التراخيص الصناعية، ويوضح هذا التقرير التفاوت ما بين المكتوب في القانون وكيفية تنفيذه على أرض الواقع. أجرى FEDA دراسة شاملة حول كيفية تطبيق قانون تراخيص المنشآت الصناعية، وذلك بالاعتماد على أعمال سابقة متعلقة بمعالجة فجوات التطبيق صدرت عن CIPE، بما في ذلك تقرير "تحسين أوضاع الحوكمة على مستوى الدولة: سد فجوة التطبيق بين وضع القوانين والممارسة العمية". وخلص الاتحاد إلى أن القانون المذكور لم يتم تطبيقه بالشكل الأمثل بعد، وذلك يرجع إلى عدد من العوامل تم عرضها في التقرير المشار إليه. والجدير بالذكر، انه في حالة تطبيق القانون عملياً، فإن لديه القدرة على تعزيز الاستثمارات الرأسمالية بشكل كبير وخلق فرص عمل في القطاع الصناعي، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تنمية الاقتصاد المصري بأكمله.

 يمثل هذا التشريع الأخير، القانون رقم 15 للعام 2017، خطوة مهمة نحو هدف الحكومة المصرية في دعم القطاع الصناعي ونحو جهودها لدعم إشراك المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الرسمي. وييسر القانون عملية الترخيص في مصر من خلال تخفيض الرسوم وتقليل الإجراءات الحكومية الروتينية، وهي التحديات التي تقف في وجه دخول المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى القطاع الصناعي. نظرياً، يقلل القانون من عدد إجراءات الترخيص، كما يؤسس لفكرة أنشاء مكاتب اعتماد بالأخص على المستوى المحلي حتى لا يضطر أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة للسفر إلى القاهرة أو للتعامل مع البيروقراطية غير اللازمة، كما يختصر من وقت الانتظار للحصول على التراخيص من عامين إلى ما لا يتجاوز شهراً واحداً. يعد اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية وتنمية الدخل FEDA منظمة جامعة لأكثر من 120 جمعية أعمال محلية ومنظمات مدنية، ويبلغ عدد أعضاء الاتحاد حوالي 30,000 من المشاريع الصغيرة والمتوسطة من جميع أنحاء مصر. ومن أجل تقييم تأثير القانون 15 ولوائحه التنفيذية، أجرى FEDA بحثاً حول تنفيذ هذا القانون من منظور المستثمرين وأصحاب المشاريع الصغيرة، حيث قام بإجراء دراسة استقصائية لأكثر من 100 شركة ومستثمر من ضمن أعضاءه، كما عقد سلسلة من سبعة اجتماعات وورش عمل في مناطق مختلفة. وكانت التوصيات التي تم الخروج بها، والتعليقات الراجعة على هذه الدراسة، فرصة كبيرة لإعطاء أصحاب الأعمال الصغيرة صوتاً في صنع السياسات الصناعية الخاصة بنشاطهم. لقد سمح التنوع في حجم المشاريع التي شملتها الدراسة وانتشارها الجغرافي الواسع بوصول الإتحاد لفهم أعمق حول كيفية تأثير القانون على مجتمع الأعمال ككل، وأتاحت ورش العمل للمشاريع المشاركة الفرصة لإجراء نقاشات معمقة مع مسؤولين من الهيئة العامة للتنمية الصناعية (IDA) وأعضاء البرلمان الذين حضروا هذه الاجتماعات. وتعتبر IDA هي الجهة المسؤولة عن إصدار التراخيص الصناعية، وعليه فإن النقاشات التي جرت سمحت لأصحاب الأعمال بإيصال مخاوفهم مباشرة إلى اللاعبين الرئيسيين، الأمر الذي كان له بالغ الأهمية في ظل محدودية فرص سماع صوت مجتمع الأعمال، وخاصة أصحاب الأعمال الصغيرة، في صنع السياسات في مصر.

ومع أن الدراسة التى أجراها FEDA خلصت إلى وجود مشاكل جدية في تنفيذ القانون، إلا أن القانون يقدم إصلاحات ضرورية للغاية لعملية الترخيص الصناعي. تعتبر عملية الترخيص الصناعي نفسها حاسمة لأنه من غير المستحسن البدء بالنشاط الصناعي دون ترخيص، حيث هناك عقوبات صارمة على ذلك تشمل الغرامات أو السجن. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب الأنشطة الصناعية بالعادة استثمارات رأسمالية كبيرة وتولد العديد من فرص العمل، لذلك هناك خسائر كبيرة إذا ما تم إغلاق المشروع لأنه غير مرخص بالشكل الصحيح. في عام 2013 قبل إصدار القانون، أجرى FEDA دراسة عن المؤسسات المتعثرة، ووجد أن 36٪ ممن شملتهم الدراسة لم يكونوا قد حصلوا على شهادة القيد في السجل الصناعي المطلوبة لأن ذلك كان صعباً للغاية فتحصيل الترخيص هو متطلب للقيد في السجل، كما أنهم واجهوا الكثير من المشاكل الأخرى في هذا الخصوص. بالإضافة إلى كونها حاجزاً أمام النمو الاقتصادي، تضع الإجراءات المرهقة والرسوم العالية عبئاً لا داعي له على المشاريع الصغيرة والمتوسطة وعلى المشاريع التي تقع في مناطق تعاني من نقص الخدمات. ويهدف القانون الجديد إلى معالجة هذه القضايا وتشجيع إشراك مجتمع الأعمال الصناعية الذي كان يعاني من نقص الخدمات بشكل عام، وذلك من خلال جعل IDA السلطة الوحيدة التي تتولى إصدار التراخيص الصناعية. أدى هذا إلى خفض عدد الجهات التي كان يتعين على المستثمرين أو أصحاب الأعمال التعامل معها من 11 إلى واحدة فقط. كما أدخل القانون نظام "مكاتب الاعتماد"، وهي مكاتب يديرها القطاع الخاص ولديها سلطة مراجعة استيفاء المنشأة لشروط الترخيص. وقد تم التخطيط لوضع هذه المكاتب في مواقع يسهل الوصول إليها، وذلك بهدف الحد من حاجة أصحاب الأعمال للسفر إلى العاصمة للحصول على التراخيص. بالنتيجة، كان الهدف من هذه الإصلاحات هو اختصار وقت الانتظار للحصول على التراخيص من عامين إلى ما لا يتجاوز شهراً واحداً، إلا أنه كان هناك الكثير من المشاكل في تنفيذ هذا القانون كعدم تشغيل هذه المكاتب بعد، وحتى الآن لم يتحقق إلا القليل من الفائدة المنتظرة من القانون.

واستناداً إلى نتائج الدراسة، وضع FEDA توصيات لتعزيز تطبيق هذا القانون. المشكلة الأولى التي تم تحديدها هي نقص المعلومات حول القانون حيث لم يكن معظم المشاركين في الدراسة على دراية بصدور قانون جديد، أما أولئك الذين كانوا يعلمون بصدوره فلم يكونوا على دراية بالتغييرات التي قدمها القانون الجديد. ويعزى ذلك إلى عدم نشر وزارة التجارة والصناعة وIDA للمعلومات الكافية حول القانون الجديد أو عدم التواصل مع جمعيات الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الجهات التي كانت تصدر التراخيص ما زالت تمارس سلطة إصدارها مستفيدةً من ضعف قدرة IDA، مما يعرض المنشآت لعمليات تفتيش ورسوم غير مفوض بها. لقد أفاد 16% من المستجيبين للدراسة بأنه يتعين عليهم التعامل مع أكثر من جهة حكومية واحدة للحصول على ترخيص صناعي، بيمنا ينص القانون بأن على المنشآت التعامل مع IDA  دون غيرها.

 هذا يوصلنا للمشكلة الثانية التي بينتها الدراسة: ضعف قدرة IDA، حيث لا تملك الهيئة فروعاً في كل محافظة، كما أن المكاتب الموجودة بالفعل تعاني من نقص في الموظفين ومن الموظفين غير المدربين بشكل كاف. اعتبر غالبية المشاركين في الدراسة ممن شملهم الاستطلاع أن قدرة الهيئة الضعيفة هي مشكلة، حيث اعتقد 53% منهم أن موظفي IDA يفتقرون إلى القدرة على القيام بواجباتهم. يوصي التقرير بتخصيص تمويل كافٍ للهيئة لرفع قدرتها حتى تتمكن من تنفيذ ولايتها، كما أوصى بأن تكون الهيئة أكثر فعالية في الوصول إلى مجتمع الأعمال المحلي. المشكلة الثالثة التي حددها المشاركون تتعلق بسلطة IDA في منح وتخصيص الأراضي للاستخدام الصناعي كما ينص القانون رقم 95 لعام 2018. وذكر المشاركون أنه كان من الصعب تأمين قطعة أرض مناسبة للمشاريع توصل لهم الخدمات الضرورية في المناطق الصناعية، وخاصة في حالة المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وحتى عندما تكون مثل هذه الأرض متوفرة، اشتكى المشاركون من الفساد في عملية الحصول على الأراضي ومن كونها فرصة للمسؤولين لاستغلال المستثمر. كما أفاد العديد من المستثمرين بأن IDA تستفيد من الوضع لجني الأرباح عن طريق رفع سعر الأراضي الصناعية. يوصي تقرير FEDA بأن تنفذ الهيئة عملية عادلة وشفافة للحصول على الأراضي الصناعية وتزويدها بالخدمات، الأمر الذي سيمنع أيضاً الاحتكار من كبار المستثمرين. كما يوعز التقرير بتصدي الهيئة لندرة الأراضي الصناعية من خلال تقديم قطع أراض للمشاريع الصغيرة من المواقع الصناعية المملوكة للحكومة والتي تكون مهجورة أو غير مستخدمة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تقوم IDA بتخفيض سعر الأراضي المخصصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخاصة الأراضي التي يقل حجمها عن 500 متر مربع.

عند إصدار هذا التقرير، شارك اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية وتنمية الدخل FEDA النتائج التي توصل إليها مع الهيئة العامة للتنمية الصناعية IDA. ويعمل FEDA حالياً، بالتعاون مع CIPE، على صياغة تعديلات على اللوائح التنفيذية ليتم تقديمها إلى الهيئة وإلى وزارة التجارة والصناعة، وذلك من أجل سد فجوة التطبيق وضمان انسجام التطبيق مع نص القانون. وستركز هذه المقترحات على سد فجوة التطبيق والسماح للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بجني الفوائد من إجراءات الترخيص الصناعي المحسنة.  إذا تم تطبيق القانون رقم 15 على النحو المنشود، وتم تحسين عملية تخصيص الأراضي بموجبه، فإنه هذا لن يدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة فحسب، بل سيعمل على خلق فرص عمل ويدعم النمو الاقتصادي في القطاع الصناعي، الأمر الذي سيعود بالفائدة على المواطن المصري.

TOP