اقتصاد الظل: مكاسب مهدرة أم ضرورة اقتصادية؟

كتب: رجب أكرم

تُعد ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي من الظواهر المتفشية في العديد من دول العالم النامي والمتقدم علي حد سواء، حيث تُوصف بأنها ظاهرة عالمية، ويزداد عمقها في الدول النامية بصفةٍ خاصة - ولكن بنسب ودرجات متفاوتة- وتختلف مسمياتها حيثُ تُعرف باقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي أو الاقتصاد الموازي، وبالرغم من اختلاف المسميات يبقي المضمون واحداً فهي مجموعة الأنشطة التي تتم بعيداً عن أعين الحكومة وتنظيماتها وقوانينها، وليس للحكومة أي علم بقيمة المكاسب التي تحققها هذه الكيانات، وبالتالي لاتدفع للدولة ضرائب، ولا يحسب إنتاجها ضمن الناتج المحلي للدولة (GDP)، وهناك عدة جوانب لهذه الظاهرة مثل (سوق السوداء، الأنشطة الحرفية، العمل الحر، الخدمات غير الرسمية غير ضريبية، العمالة باليومية).

وتشهد مصر انتشاراً واسعاً لهذه الظاهرة، فوفق أحدث تقرير لوزارة التخطيط في نهاية 2022 يتضح أن حجم الاقتصاد غير الرسمي يمثل 40%- 60% من الاقتصاد الحقيقي للدولة، ويوفر حوالي 70% من فرص العمل داخل الاقتصاد، ولهذه الظاهرة تأثيرات عميقة علي الاقتصاد الوطني، حيث شيوع المعاملات النقدية بصورة أكبر، وبالتالي الحد من فاعلية أدوات السياسة النقدية التي يستخدمها البنك المركزي في السيطرة علي السيولة واستهداف التضخم، كما أن انتشار هذه الظاهرة يُعتبر بيئة جاذبة لأنشطة غسيل الأموال وتمويل الجماعات المتطرفة، ونظراً لاتساع حجم المشكلة يستدعي ذلك وضع سياسات لحل المشكلة، ولكن قبل وضع الحلول والسياسات لابد من تحليل أسباب المشكلة كالتالي:

  1. صعوبة الحصول علي التراخيص اللازمة والموافقات المطلوبة لفتح مشروع داخل النطاق الرسمي: ويعود ذلك إلي ضعف بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار، والبيروقراطية الإدارية.
  2. حرية الحركة في التعاملات المالية: وتعود إلي قلة الوعي المالي للعاملين بالقطاع غير الرسمي، عدم توافر بعض الخدمات المالية التي تلبي احتياجات هذه الفئة
  3. الخوف من دفع واستقطاع أموال من مكاسب المشروع لصالح الدولة: وتعود إلي قلة الوعي الضريبي، ضعف مستوي المعيشة، وزيادة معدلات الفقر، وضعف كفاءة السياسات الضريبية.

وبالنظر إلي الأسباب السابقة التي يعود بعضها إلي السياسات الضريبية، والبعض الآخر إلي بيئة الأعمال والتشريعات، ولكن يبقي السبب الأهم هو توفير تمويل بتكلفة منخفضة، والذي يشجع العاملين في القطاع غير الرسمي إلي الإندماج والتكامل مع القطاع الرسمي، فما الفائدة التي ستعود علي صاحب المشروع إذا تم تعديل السياسات الضريبية أو القوانين، فمشروعه قائم بالأساس ويحقق مكاسب جيدة - بعيداً عن أعين الحكومة - فالحكومة ليست علي علم بحجم نشاطه من الأساس فما الذي يدفعه للإندماج؟، أما بالنسبة للعامل المالي فقابلية الإندماج تكون أكبر، ويعود ذلك إلي السعي للحصول علي التمويل خاصة إذا كان بتكلفة منخفضة، ويتم ذلك عن طريق التوسع في شركات التمويل متناهي الصغر عن طريق زيادة رأس المال، أو إنشاء بنوك متخصصة لتوفير التمويل لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وقد أثبت هذا الحل فاعلية كبيرة في دول ذات اقتصادات مماثلة، فقد أنشأت البرازيل عدة بنوك لتوفير التمويل للعاملين بالقطاع غير الرسمي مثل ( بنك الأمل، بنك الشعب، برنامج تمويل النساء الريفيات)، وفي كينيا تم تأسيس عدة بنوك وبرامج تمويلية مثل( برنامج كينيا للأعمال الصغيرة والمتوسطة، بنك المرأة في كينيا، برنامج التمويل الزراعي)، وفي النهاية قامت الهند بتأسيس عدة بنوك وبرامج تمويلية ( بنك الصناعات والتجارة الهندي، بنك التنمية الزراعية، برنامج تمويل النساء الصغيرات).

وختاماً، يمكن القول أن الاقتصاد غير الرسمي ظاهرة متعددة ومتشعبة الأسباب، تهدر إيرادات مالية ضخمة في صورة ضرائب غير محصلة، فحجم هذه الظاهرة يستوجب علي متخذي القرار توفير حلول مالية ذات فاعلية لجذب العاملين للشق الرسمي، وقد أثبت الحل المالي الفاعلية في العديد من الدول ذات الاقتصادات المماثلة أكثر من الحلول التشريعية والضريبية.


* الآراء الواردة بالمقال تعبرعن رأي كاتبه، ولا تعكس بالضرورة عن رؤية مركز المشروعات الدولية الخاصة

TOP