كتبت: باميلا بيكروفت
هذه المدونة مترجمة عن الأصل باللغة الإنجليزية: How Improving Egypt’s Business Environment Could Reduce Traffic in Cairo
لما كنت قد قضيت جزءًا من طفولتي بالقاهرة أوائل الثمانينيات، فما زلت أحمل ذكريات حية عن المرور في القاهرة، ضجيج الأبواق والروائح المختلطة للغبار الساخن والعوادم والقمامة، منظر الأتوبيسات التي تسير والركاب يتعلقون بها من كل مقبض في حوافها، والجميع يتحركون ببطء ليصلوا بالفعل إلى مكان ما. تقول مقالة نشرتها نيويورك تايمز مؤخرًا من القاهرة إن الدكتاتور قد رحل، ولكن مشكلة مرور القاهرة والاختناقات تبدو غير قابلة للحل، فبعد ثلاثة عقود أعقبتها ثورة مازالت العاصمة المصرية غير قادرة على حل مشكلات الزحام فيها.
وأكثر ما صدمني في هذه المقالة، الصلة التي عقدتها بين أزمة المرور والباعة الجائلين. وينقل كاتب المقال عن "محمد غالب" -بائع التمر هندي- أن عمله على جانب الطريق مربح لأن "كل الناس في السيارات المارة بهذا الطريق يعانون من حرارة الجو ويريدون أن يشربوا شيئًا". وتقدم المقالة تفسيرًا مختلفًا قليلاً للعلاقة بين الأسباب والنتائج: "يشعر الناس بالحرارة- جزئيًّا- بسبب مشكلة المرور، ولكن المرور سيئ- جزئيًّا- بسبب محمد غالب".
فالرئيس المصري محمد مرسي يبدو أنه تبنى هذا المنطق، فقد تعهد بإزالة الباعة الجائلين وحل مشكلة المرور، واقترح إنشاء أسواق مجمعة، أو تحديد مناطق لأسواق اليوم الواحد، بما يعيد النظام إلى هذه الفوضى.
وليست الأسواق المجمعة البديلة فكرة سيئة دائمًا، ولكن هذه المبادرات أدت في بلدان كثيرة إلى "النقل القسري" للتجار وانتهت بالفشل. لماذا؟.. لأن المسئولين نادرًا ما يفكرون في إشراك الباعة الجائلين أنفسهم عند التخطيط للأسواق الجديدة. ومن المعتاد جدًّا أن ينتهوا إلى إقامة مبانٍ جديدة لامعة على طريق خارج المدينة. بينما إذا كنت بائعًا جائلاً تعيش على هامش ربح ضئيل جدًّا فإنه من الأفضل لك أن تبقى بالقرب من زبائنك، حتى لو كان معنى ذلك الاستمرار في التهرب من السلطات.
أود القول إن مجمل مشكلة "المرور-الباعة الجائلين" تحتاج إلى إعادة تعريف، فالباعة في الشوارع قد يكونون من أسباب التكدس المروري، لكن وجودهم هناك هو مجرد عَرَض لمشكلة أكبر بكثير: الإقصاء الديمقراطي والاقتصادي.
وسواء كنت تبيع على الرصيف أم داخل سوق، فإن استمرارك في وضع غير رسمي (أي تقوم بعمل غير مسجل) يعني بوجه عام عيش حياة غير مستقرة بالمرة. ولأن التجار غير الرسميين "غير موجودين" -من الناحية الرسمية- فإن صوتهم ضعيف وحقوقهم قليلة. لا يستطيعون بسهولة تشكيل روابط تجمعهم، أو يكون لهم رأي يدخل في صنع السياسات، الأمر الذي يقود إلى تطبيق سياسات غير ممثلة وخاطئة، كما لا يستطيعون الاستفادة من برامج المساعدات. وبدون الملكية لن يتسنى لهم الحصول على القروض التي تسمح لهم بالتوسع وخلق فرص عمل جديدة، كما أن أصحاب الأعمال غير الرسمية يكونون أكثر تعرضًا للفساد والانتهاكات، في وقت يملكون القليل من السبل القانونية لمواجهة أي منها.
ربما كان هؤلاء التجار من بين أسباب الاختناقات المرورية، لكن الذي تحتاجه مصر حقًّا هو تغيير بيئة الأعمال فيها. إنهم يحتاجون لما هو أكثر من الأسواق، يحتاجون إلى منظومة كاملة للتنظيمات والممارسات في هذه البيئة (تسجيل الأعمال، الحصول على الائتمان، قواعد للإفلاس.. إلخ) تكون قادرة على حقًّا على السماح للمصريين بالمشاركة في الحياة الاقتصادية، والانخراط في المجتمع كمواطنين.
وقد عمل مركز المشروعات الدولية الخاصة بالقاهرة منذ سنوات مع اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية من أجل تنفيذ هذه الأفكار، ويضم الاتحاد أكثر من 100 جمعية قاعدية تمثل أكثر من 30 ألف مشروع صغير ومتوسط. وحتى قبل الإطاحة بمبارك، فإن الاتحاد عمل على إثارة مسألة الباعة الجائلين في أوساط الرأي العام، وجمّع المئات منهم لتحديد مشاكلهم، ووضع التوصيات اللازمة لعلاج أحوالهم.
وفي يوليو 2011 سلم اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة مسودة قانون خاص بالباعة الجائلين، يتضمن في مواده تبسيط إجراءات الترخيص والرسوم وتقسيم المناطق. وجدير بالاهتمام أن مسودة القانون هذه قد نالت تأييد الباعة الجائلين؛ لأنهم اشتركوا بالفعل في وضعها، فأثناء الحوارات التي أجراها الاتحاد، أوضح الباعة الجائلون رغبتهم الفعلية في دفع رسوم الترخيص طالما تم احترام المناطق المحددة لهم، وسمح لهم بالعمل فيها دون تدخلات.
وبعبارة أخرى، أبدوا رغبتهم في دفع شيء من المال مقابل ضمان بيئة أعمال أكثر إنصافًا يمكن التنبؤ بتطوراتها. وسيفيد القانون موظفي الحكومة أيضًا، حيث سيتمكنون من القيام برقابة أفضل على أنشطة الباعة الجائلين في الطرقات إذا تم إدخال منظومة أكثر بساطة وعدالة وشفافية.
وإذا تم إقرار قانون الباعة الجائلين المقترح من اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية، فربما تشهد القاهرة شيئًا من التحسن في مشكلة التكدس المروري.