عين على الاقتصاد.... في أصعب الأوقات

شارك

[addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_pvdf"]

كتب: باميلا بيكروفت
كبير مسئول برامج الشرق الأوسط، مركز المشروعات الدولية الخاصة

هذه المدونة مترجمة عن الأصل باللغة الإنجليزيةKeeping the Economy on the Radar, Even in the Hardest Times

في بيروت أثناء الحرب الأهلية في لبنان، واصل الناس الذهاب إلى المدرسة وحضور العروض المسرحية. قالت لي امرأة ذات مرة أنها تحتاج للوصول الى الجامعة، أن تأخذ سيارة أجرة إلى الخط الفاصل بين بيروت الشرقية والغربية للانتفال من جانب الى آخر والاحتماء بحاوية القمامة لتفادي القناصة، ثم استخدام وسيلة ركوب أخرى للوصول إلى الجامعة، دائما مع تغيير الملابس في حالة أنها لم تستطع الوصول الى المنزل مرة أخرى لفترة من الوقت.

ليست كل الشعوب خلال فترة الحرب قادرة على الاستمرار بالذهاب الى المدرسة والمسرح بتحد وشجاعة، ولكن القصة تؤكد نقطة مهمة لم تتناولها معظم التقارير الإخبارية: ألا وهي أن الصراع ليس حالة دائمة ... حتى أثناء النزاعات.

وتشير تقارير الإعلامية الى حالات القصف المدوي والاشتباكات، وحالات المدنيين الفارين من اللحظات المثيرة، ولا يعرض من كامل المشهد الا جيوب القتال الدائر وحركة الاشتباكات على الخطوط الأمامية، علما انه أينما وجد الهدوء وخفت وتيرة العنف والاشتباك نجد أن المدنيين عموما يحاولون جعل الحياة تسير بشكل طبيعي على قدر الإمكان، وهذا يشمل الاقتصاد. حيث يعود المزارعون إلى حقولهم، والمصانع تستأنف الدورة الاقتصادية كلما كان ذلك ممكنا، والناس سوف تشتري وتبيع، وتقايض ما تحتاجه من أجل البقاء على قيد الحياة. وأكثر من ذلك، أحيانا قد يتم الطلاب دراستهم للامتحانات على ضوء شمعة في ممرات تصطف فيها المراتب خلال قصف (قصة أخرى سمعتها مرة من لبناني آخر).

في الآونة الأخيرة، شكلت مجموعة من موظفي "مركز المشروعات الدولية الخاصة"  ذوي الخبرة في المجتمعات المتضررة من النزاع فرقة عمل للقيام بالبحث الفكري المعمق في مشاريع  "مركز المشروعات الدولية الخاصة"  في المناطق المتضررة من النزاع. وقد وجدنا أنه من المثير أن نعمل مع الجماعات المحلية في قطاعات غير مستقرة مزقتها الحرب، ولكن نادراً ما نفكر بهم على أنهم "مشاريع للصراع" في حد ذاته، لذلك بدأنا نطرح العديد من التساؤلات: هل يجدي التفكير في مشاريعنا من خلال عدسة الصراع؟  (الجواب باختصار: نعم)، ما هي طرق تعاملنا مع الصراعات وهل هي فريدة من نوعها؟ ما هي الطرق المختلفة التي تعاطت معها  "مركز المشروعات الدولية الخاصة"سواءً كتفاعل برمجي للصراع، او بإعداد برامج تراعي حساسية النزاعات.

هذا الموضوع مازال مثار بحث والدراسة، ولكن بدأنا في توضيح ما نؤمن به (سيتضح أكثر في نهاية هذا المقال). وهو كما يلي ...

في الظاهر، فإنه يمكن أن يبدو من غير المنطقي أن نتحدث عن الأسواق، والإصلاحات والمؤسسات أو النمو في وجود العنف وفشل الدولة. ولكن "مركز المشروعات الدولية الخاصة"  يعتقد أن هناك فوائد كبيرة للعمل على القضايا الاقتصادية مع رجال الأعمال المحليين، تقريبا في كل مرحلة من مراحل دورة الصراع وبمجرد انتهاء الصراع، نعتقد ان القطاع الخاص السليم كمحرك اقتصادي سوف يشكل أكثر المحركات الاقتصادية استقراراً واستدامةً، والذي سوف يساهم في تحقيق الازدهار ودعم إعادة الإعمار، وسوف يساعد المواطنين العاديين على الوقوف على أقدامهم، وسوف يكون قادرا على استيعاب اللاجئين العائدين، ومساعدة المقاتلين السابقين على العودة إلى الحياة المدنية. ونحن كثيرا ما نسمع "دعنا فقط نصل الى [الانتخابات واللاجئين والبرلمان ...]، ومن ثم فإننا سنصل إلى الاقتصاد"، ولكن نعتقد أنه ينبغي أن يكون الاقتصاد دائما على الرادار، جنباً إلى جنب مع الاستجابات الإنسانية، وأن يكون مرافقا لأي ديناميكية سياسية أوأي تحرك آخر.

 هذا المنظور بوضح نهج "مركز المشروعات الدولية الخاصة" في التعامل مع أي صراع، والذي نعتقد أنه يختلف قليلاً عن معظم التوجهات، ومن ناحية أخرى، نحن نحاول مساعدة الشركاء على تطوير استجابات تتناسب مع الواقع الراهن للصراع، لأننا ندرك أنه واجب الجميع، كمواطنين وكشعب.  علاوة على ذلك، شاهدنا كم كان لرجال الأعمال ومجموعات القطاع الخاص دور فعال مهم وإيجابي خلال الصراع. فحيثما استطاع رجال الأعمال الاستمرار في الأنشطة الاقتصادية، فان ذلك سوف يساعد على توليد التدفقات النقدية التي تساعد الناس على البقاء على قيد الحياة. كما أنهم في غالب الأحيان يملكون مهارات التخطيط والخدمات اللوجستية التي يمكن أن تسهم في جهود الاستجابة الإنسانية، وفي بعض الأحيان يجلبون المواد والموارد المالية المهمة.

تضع "مركز المشروعات الدولية الخاصة "جهداً غير اعتيادي على الجانب الإستباقي، وعلى المدى الطويل، وهذا شيء حتمي، لأنه لا يمكن أن تعمل حقا على التحولات العميقة نحو الديمقراطية وإصلاح السوق إلا إذا وجد هناك ما يكفي من الاستقرار، لذلك على الأقل نحن نعمل مع الشركاء خلال حالات الصراع على "إبقاء الانوار مضاءةً" كما يقال مجازاً، فنحن نساعد على الحفاظ على جمعيات الأعمال ومراكز البحوث والمنظمات الشريكة الأخرى العاملة، لأنهم جزء من نسيج المجتمع المدني. إذا كان بإمكانها أن تستمر من خلال الصراع، فإنها يمكن أن تساعد في الحفاظ على هذا النسيج فيما بعد، عندما تكون هناك حاجة ماسة لمجتمع مدني فاعل.

 في بعض الحالات، تقوم "مركز المشروعات الدولية الخاصة"  بمساعدة بعض المنظمات المحلية في بناء جسور التواصل، بهدف إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة والمحافظة على روح التعاون بين الناس، كي ترأب الصدع الحاصل في المجتمعات، فإن الاقتصاد بحد ذاته يعتبر موضوع محايد وقابل للنقاش بين الناس في حال عدم وجود قضايا أخرى ذات جدلية مطروحة على نفس طاولة الحوار، وفي أحسن الحالات، تكون هذه النتائج محفزاً نحو جهود وطنية فعالة، وحوارات دولية أوسع من أجل السلام.

كما تعمل مركز المشروعات الدولية الخاصة مع مجموعة من رجال الأعمال، لتطوير رؤى واستراتيجيات متناسقة ومترابطة بهدف إعادة البناء والإصلاح، ولذلك عندما يحل السلام، ويحتاج القادة للأفكار، سيكون مجتمع رجال الأعمال على أتم الاستعداد للمساعدة والإسراع في إعادة الإعمار والتشكيل السياسي للمؤسسات السياسية والاقتصادية.  ونعمل أيضاً على دعم مراكز الأبحاث وجمعيات الاعمال، لملء المساحة الفارغة جراء عمليات الانتقال السياسي والاقتصادي، حيث ترتفع الاصوات دائماً نحو القادة بضرورة التركيز على الاقتصاد كما على السياسة، واقتراح الحلول والتوصيات بناء على حاجة الناس اليها.

وبشكل ملموس تأخذ تلك الاستجابات أشكالاً مختلفة، وذلك تبعاً للبيئات المتغيرة التي تعمل ضمنها، من مناطق تتأثر بالنزاعات وعدم استقرار، إلى مناطق تعاني من حروب ودمار كبير، وهنا سنطرح عدة أمثلة:

- في المكسيك، النشاط الإجرامي المنتشر يقلل بدرجة كبيرة من شعور الامان لدى المواطن المكسيكي، ويلغي سيادة القانون، كما يضر مجتمع الأعمال، حيث تعمل مركز المشروعات الدولية الخاصة، ضمن مشروع مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، والذي تقلص بشكل كبير نتيجة العنف المنتشر في مدينة "تيخوانا" من خلال العمل مع رئيس البلدية، ودعم عمليات التبادل مع المدن الأخرى، لمعرفة كيفية تكرار تجارب تلك المدن، وإمكانية تكرارها، تحت أي ظرف من الظروف.

- في سوريا، هناك حرب شاملة، مع أثار عالمية متنوعة، حيث ساعدت مركز المشروعات الدولية الخاصة، مجموعة من كبار رجال الأعمال السوريين على تشكيل مركز للأبحاث الاقتصادية مقره تركيا، وباستخدام نقاط تواصل في جميع أنحاء سوريا، ويقوم مركز الأبحاث بنشر تقارير دورية تعطي لمحة عن الحياة في تلك المدن والمناطق السورية، إضافة لبيانات اقتصادية وموارد معلومات تعتمد عليها المنظمات العاملة في المجال الإنساني، وسلطات المعارضة المعتدلة، والبعض الاخر يمكنه الاستعانة بتلك المعلومات بهدف الاستجابة للواقع الراهن على الأرض، وفي ذات الوقت، يقوم مركز الابحاث بتدريب الشباب في مخيمات اللاجئين على بناء وادارة المشاريع، وكذلك يعمل على تطوير استراتيجيات عمل القطاع الخاص من أجل مستقبل سوريا ما بعد نهاية الصراع، عندما يحين الوقت. وكان أيضا لمركز الأبحاث دور أساسي في المفاوضات من أجل استخدام السوريين لمنطقة حرة في الأراضي التركية، والتي يمكن من خلالها للصناعيين والمصانع السورية الهاربة من الصراع الانتقال إليها، والتي سوف تولد بدورها فرص عمل للسوريين والأتراك على حد سواء.

- في سيرلنكا، انتهت الحرب الأهلية في عام 2009، ولكن الانتقال المباشر إلى دولة استبدادية منعت حصول الاصلاحات الجذرية التي كانت تحتاجها البلاد، ومن ثم في شهر كانون الثاني من عام 2015، تم استبدال الرئيس القديم مع فريقه من خلال انتخابات مفاجئة مبكرة. وقد عقدت مركز المشروعات الدولية الخاصة، شراكة مع مركز أبحاث محلي وذلك لمساعدته في إنشاء قاعدة بيانات حقيقية، الهدف منها تشجيع تجمعات رجال الأعمال، للانخراط في المناصرة السياسية، وتحفيز الحوار بين القطاع الخاص والعام على نطاق واسع، بشأن السياسات الاقتصادية.

وبعد مرور المرحلة الأولى من جمع البيانات والتقييم والتفكير، فإن فريق عمل إدارة الصراعات في مركز المشروعات الدولية الخاصة، يحاول الأن أخذ القرارات بما يجب التركيز عليه، وبأي ترتيب، وكأولوية واضحة جداً، فإننا بحاجة إلى البيانات والمعلومات، ويبدو أنه هناك فجوة كبيرة في البحوث في تلك المناطق.

Hello World!

TOP