شارع سمسم، وأنفلونزا الخنازير... والنتائج غير

شارك

[addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_pvdf"]

كتب: جريج سمبسون

هذه المدونة مترجمة عن الأصل باللغة الإنجليزية: Sesame Street, Swine Flu, and Unintended Consequences in Egypt

 "القانون لن يطعمني"... هذه الجملة التي لفتت انتباهي بشدة. فنحن في مركز المشروعات الدولية الخاصة نتحدث عن "الديمقراطية التي تؤتي ثمارها"، لكنني لم أصادف قط مثل هذا التعبير المعبر بصدق وقوة عن جوهر هذا المفهوم، أي أن الديمقراطية لن تكون ذات مغزى ما لم تقدم لمواطنيها سبلاً ملموسة للعيش الكريم.

"القانون لن يطعمني"...

لقد وردت هذه العبارة بصحيفة الواشنطن بوست في مقال عن أزمة جامعي القمامة في مصر، قالها فلاح يربي الخنازير بالسوق السوداء (ولم أكن أعلم أن هناك سوقًا سوداء للخنازير في مصر). يبدو أن مشكلة تربية الخنازير مرتبطة بعزبة الزبالين بالقاهرة، التي يغلب على تركيبها السكاني الأقباط المصريون، والتي اعتادت جمع واستهلاك حصة كبيرة من قمامة العاصمة. كانت الحكومة المصرية أثناء انتشار مرض أنفلونزا الخنازير عالميًّا عام 2009 قد أقدمت على ذبح كل الخنازير في مصر، وحُظِر من وقتها اقتناء الخنازير التي تتغذى على القمامة، مما حرم الزبالين من سبل عيشهم، وأدى إلى تراكم أكوام القمامة الهائلة غير المجموعة وغير المستهلكة. وقد زاد الأمر سوءًا -في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة- خفض الرسوم التي تحصل عليها شركات النظافة المتعاقدة مع الحكومة بقيمة النصف، الأمر الذي أجبرها على خفض خدماتها بالتالي.

يذكرني الوضع كله بـ"اسكتش برت، وإيرني" (Bert and Ernie) في برنامج "عالم سمسم"، أذكر أنني شاهدته وأنا طفل. كان "إيرني" يحاول وضع إناء الطهي على رأس "بيرت"، الذي انزعج وأراد معرفة سبب تصرفه هذا. فسَّر له "إيرني" هذا التصرف فقال: لأن إناء الكعك كُسر، لذا كان عليه أن يجد مكانًا ما يحتفظ فيه بالكعك. فوضع الكعك في إناء السكر، والسكر في أصيص الزهور، والزهور في زجاجة اللبن، واللبن في زجاجة الصودا، والصودا في حوض السمك، والسمك في قبعة رعاة البقر التي يرتديها "بيرت". فيقول بيرت: "ماذا عساي أن أرتدي إذا أردت أن ألعب لعبة رعاة البقر؟".. عندئذ يضع "إيرني" إناء الطهي على رأس "بيرت" ويقول له: "هيا انطلق أيها الكاوبوي (راعي البقر) بيرت!".

الأمر كله في الاسكتش عبارة عن سلسلة من الوقائع الفوضوية التي أزعجتني كطفل، من سيئ إلى أسوأ إلى أسخف، وربما كان هذا هو السبب في احتفاظ ذاكرتي به كل هذه السنين، (للأمانة كنت طفلاً حاد المزاج وشعرت بالانحياز لـ"بيرت" أكثر من "إيرني"). وبإعادة النظر في الحكاية أجدها حكاية مسلية عن النتائج غير المقصودة لتصرف ما.

أما القصة المصرية فهي مسلية أيضًا، وإن لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لأثرها على عائلات الزبالين، وكذلك على الصحة العامة في القاهرة. غير أنها تذكّرنا بحكاية تحذيرية مفيدة عن مخاطر العواقب غير المقصودة في السياسة العامة. إنها سياسيات عامة تشبه لعبة Whac-a-Mole، حيث صدر قانون يستهدف حماية الصحة العامة من خطر أنفلونزا الخنازير، لكن الأمر انتهى بهذا القانون إلى تهديد الصحة العامة من جراء أزمة التصرف في القمامة.

وهو مثال جيد على ما يمكن أن يحدث عندما تصاغ القوانين واللوائح التنظيمية دون أي تشاور مع الجمهور الذي ستؤثر فيه، ومن ثم فإن هذه القوانين لن تؤدي إلى صالح الجمهور الذي كانت تهدف في الأصل إلى خدمته.

لقد تحول بعض الزبالين إلى أعمال أخرى، غير أن هناك آخرين ممن لا يملكون مهارات أو فرص بديلة، اضطروا إلى العمل بالقطاع غير الرسمي، فلجأوا إلى شراء الخنازير -التي تتغذي على القمامة- من السوق السوداء، ويقومون بتربيتها سرًا على أمل ألا تكتشف السلطات نشاطهم.

قال أحد هؤلاء المربين إنه يفعل هذا "من أجل أطفاله". ثم قال تلك الجملة القوية: "القانون لن يطعمني".

إن الديمقراطية أكبر من مجرد اختيار المشرعين والمسئولين في الانتخابات، وإنما يجب -حتى تؤتي ثمارها- أن تلبي احتياجات شعبها. لقد شهدت مصر هذا العام أول انتخابات رئاسية ديمقراطية حقًّا على طول تاريخها، وسرعان ما عمل الرئيس الفائز-محمد مرسي- على توطيد سلطاته وممارسة صلاحياته. لكن البلد ما زال يحبس أنفاسه في انتظار نتائج عمل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد الذي سيحدد طبيعة وبِنية ووظائف الديمقراطية الجديدة في مصر. وبغض النظر عن محصلة هذه المناقشات (نظام رئاسي أم برلماني؟.. علماني، أو يسترشد، أو يلتزم التزامًا صارمًا بالشريعة الإسلامية؟) فإن على النظام الجديد أن يلبي بشكل ملموس احتياجات الملايين من الشباب المحبطين وأمثالهم من المواطنين الذين يريدون مجرد الحرية وجلب الطعام إلى موائد أسرهم.

ومن السبل الضرورية لتحقيق هذا المطلب: إرساء آليات ومؤسسات تشجع المواطنين على المشاركة وإبداء الرأي في القرارات التي تُتخذ نيابة عنهم. فمثلاً عندما تقرر الحكومة التعامل مع مشكلة القمامة، لا يجوز أن تكتفي باستشارة الخبراء الحكوميين وحدهم، وإنما يجب أن يشمل التشاور المتخصصين في القطاع الخاص العاملين في الصحة العامة والأشغال العامة، والمجتمعات المحلية في المناطق المتأثرة بالقرارات، وشركات النظافة، وعمال النظافة، وكذلك أيضًا مربي الخنازير والزبالين. ومع وجود قنوات اتصال ذات اتجاهين سيتحقق التواصل بين الحكومة والمحكومين، وستتكون لدى صناع السياسات معلومات كاملة عن احتياجات السكان، وعن العواقب المحتملة لمسار عمل معين.

إن الديمقراطية القائمة على الانفتاح والشمولية والمشاركة، توفر فرصًا أكبر بكثير لإنتاج سياسات قائمة على معلومات مكتملة، وتلبي احتياجات الشعب.

وهي على أقل تقدير تشكل طريقًا جيدًا لتفادي أن تجد نفسك ذات يوم غارقًا في القمامة (أو تضطر إلى القبول بوضع إناء الطهي على رأسك عندما تريد أن تلعب "لعبة الكاوبوي").

Hello World!

TOP