ينتظر (عبد الكريم) تاريخ الثالث عشر من تشرين الثاني لهذا العام بفارغ الصبر. واليوم وقد بقي أسبوع واحد فقط لهذا التاريخ، يقوم بتجهيز حقائبه ومستندات سفره، مع الكثير جداً من الأحلام والآمال، استعداداً للرحلة التي انتظرها طويلاً جداً. يتذكر عبد الكريم تلك الحالة ذاتها من الترقب قبل عامين فقط، ويروي لنا قائلاً: قبل عامين كنت مجرد عامل بسيط في أحد معامل الغزل والنسيج في مدينة (بورصا) التركية، لاجئاً سورياً أجبرتني الحرب على ترك دراستي الجامعية في مجال هندسة الميكانيك، لأنتهي هنا مجرد عامل محدود الدخل والآفاق. تصادف وجودي في مدينة (غازي عنتاب) بغرض إتمام بعض الأوراق الهامة في شهر تشرين الثاني من عام 2015، وشاءت الأقدار أن أرافق أحد أصدقائي المقيمين هناك إلى مؤتمر سنوي معني بريادة الأعمال، مؤتمر لم أدر وقتذاك أنه سيغير حياتي إلى الأبد.
يتابع عبد الكريم قائلاً: لم أعر الأمر الكثير من الاهتمام بادئ الأمر، إلا أن كلاً من المحاضرات والمناقشات والأطروحات وقصص النجاح التي تم عرضها يوماً وراء آخر عبر خمسة أيام من فعاليات هذا المؤتمر كان لها مفعول السحر في روحي المحبطة التي افتقدت الأمل. لقد تحدثوا عن أهمية تحفيز الشباب في المجتمع باعتبارهم مصدر إلهام للحصول على حلول وليس مشكلة ، وتحدثوا عن ضرورة تطوير المناهج الدراسية لإدماج مفاهيم ريادة الأعمال فيها منذ مراحل مبكرة بعد أن وصلت لما وصلت إليه من أهمية في حياتنا المعاصرة، بل تحدثوا عن إحداث منصة تعليمية تدريبية مجانية على الانترنت تتيح للشباب أن يدخلوا عالم الريادة من أوسع أبوابه، وكان لقصص النجاح التي رووها عن رواد أعمال سوريين مفعولاً عجيباً في تحفيز كل الحضور وإمدادهم بالكثير من الأمل والعزم. وفي النهاية، عندما انتهى ذاك الأسبوع، أحسست أنني أصبحت شخصاً آخر، وصممت على أن أفعل شيئاً.
كان هذا الأسبوع هو أسبوع ريادة الأعمال العالمي GEWالثامن، والذي شاركت فيه الفعاليات السورية لأول مرة في الرابع عشر من تشرين الثاني عام 2015.
واليوم، وبعد مضي عامين بالضبط، نجد عبد الكريم منشغلاً في معمله الناشئ لتصنيع الأوشحة الصوفية، دائم التنقل بين آلاته الأربع التي بدأ بها مشروعه، ومنشغلاً بتغليف شحنة كبيرة سيتم شحنها إلى (كوسوفو) قريباً. يقول عبد الكريم: عانيت كثيراً لكي أتمكن من البدء بهذا المشروع، وتعرضت للعديد من المصاعب والإحباطات في البداية، إلا أنني بدأت تدريجياً بحصد ثمار العزيمة والإصرار التي أمدني بها ما سمعته وشاهدته في أسبوع ريادة الأعمال، لقد صممت أن أفعل شيئاً ولو بسيطاً، والآن أنا أصدّر منتجاتي إلى بعض دول أوربا الشرقية وبعض الدول العربية، وقريباً سوف أقتني أربع آلات إضافية، وسأستأجر معملاً أوسع لهذا الغرض.
ويتابع عبد الكريم والحماس يملأ ملامحه وكلماته: متحمس جداً لأسبوع ريادة الأعمال الذي سيعقد هذا العام، وقد بدأت منذ الآن بالاستعداد لحضوره، ولكن هذه المرة لن أكتفي بالاستماع، بل سأروي قصة نجاحي للجميع، لكي أمنح الأمل للشباب كما استطعت أنا اصطياد ذلك الأمل منذ عامين مضيا.
لعل قصة عبد الكريم ليست الأولى ولا الأخيرة ولا الوحيدة بين العديد من القصص التي رافقت نهضة رواد الأعمال الشباب في كل أنحاء العالم منذ انطلاق (الشبكة العالمية لريادة الأعمال GEN) منذ عام 2008، والتي بدأت كفكرة سرعان ما نقلها إلى حيز التنفيذ كلأ من (جوناثان أورتمانز) رئيس مجلس الإدارة الحالي، و(كارل شرام) الرئيس السابق والرئيس التنفيذي لمؤسسة كوفمان التي تشكل الداعم الأساسي للشبكة، و(غوردون براون) رئيس الوزراء السابق للمملكة المتحدة. وباجتماع ممثلين عن 37 دولة، تم الإعلان عن الشبكة بعقد الأسبوع العالمي الأول لريادة الأعمال في أواخر سنة 2008.
منذ عشر سنوات حتى اليوم، يتحول العالم كله في الأسبوع الثاني من تشرين الثاني إلى خلية نحل جمّة النشاط، للتركيز على تشجيع الأفكار المبتكرة ومساعدة الشركات الجديدة لبدأ مشوارها الحافل، إضافة إلى مناقشة أكثر القضايا تحدياً في كل أنحاء العالم فيما يختص بالأعمال والمشاريع الناشئة، وفتح باب واسع للتفاعل بين الشباب والرواد وصانعي القرار وكبار المستثمرين. ناهيك عن استعراض قصص النجاح المبهرة التي تثبت لك أن لا مستحيل في هذا العالم الوسيع اللامحدود الإمكانيات.
واليوم، بعضوية 160 دولة، وشراكة 15000 جهة، وانتساب أكثر من 10 ملايين من رواد الأعمال حول العالم، ينعقد المؤتمر العاشر في الثالث عشر من تشرين الثاني لهذا العام. عشر سنوات كاملة من مساعدة الملايين من الناس على إطلاق أفكارهم لبدء أعمال جديدة وتوسيع نطاقها، ولإلهام الشباب لكي يضعوا بصماتهم الواضحة والمبدعة في مجتمعاتهم، ضمن جهد شامل يشارك فيه أصحاب المشاريع والمستثمرين وصناع القرار والباحثين والمنظمات الداعمة وغيرها، للتعاون من أجل دفع عجلة النمو الاقتصادي والابتكار في أكثر من 160 بلداً في جميع أنحاء العالم. إذ سيتم تنظيم ما يقرب من 35000 حدث ومسابقة وفعالية، ومن خلال الوسم (#GEW2017) سيتم ربط ما يقرب من 10 مليون مشارك مع كل الجهات المتعاونة المانحة والمستثمرة. كما سيشارك العشرات من قادة العالم وصناع القرار والمفكرين والباحثين في كل قارة ضمن شبكة تضم أكثر من 15000 منظمة شريكة تدعم المبادرة كل عام.
في هذا العام المميز، ومع احتفالية GEW بذكراه العاشرة، ستشارك ســـــوريا باســـمــهـا وبشكل رسمي ومستقل ممثلة بالمنتدى الاقتصادي السوري الذي سينظم ويرعى فعاليات المؤتمر على مدار أسبوع كامل من الفعاليات تمتد من 13 إلى 17 من تشرين الثاني الجاري، وسيكون مسرح كل هذه الفعاليات هو مدينة (غازي عنتاب) التركية التي تضم عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين الذين بدأ قسم كبير منهم بدخول عالم الأعمال والريادة والاندماج في سوق العمل التركي بفعالية واضحة الأثر. لقد أدرك المنتدى الاقتصادي السوري منذ فترة طويلة كمركز بحثي وملتقى رحب لرجال الأعمال والمفكرين السوريين أهمية ريادة الأعمال في نهضة المجتمع السوري الذي انكسر بشدة جراء الحرب الضارية الدائرة في بلاده، وعمل منذ تأسيسه عام 2013 على دعم ريادة الأعمال فكرياً وعملياً وبشتى الطرق، بدءاً بإدخال اسم سوريا بكل قوته وحضوره ضمن الشبكة العالمية لريادة الأعمال، مروراً بمشروعه الرائد (رخصتي) الذي ساعد رواد الأعمال الشباب على الموائمة القانونية بين أعمالهم والبيئة التشريعية الرسمية للدولة التركية، وانتهاءاً بإطلاق منصة (تعالم) التدريبية على الانترنت لتدريب شباب الرواد ومساعدتهم على اقتحام عالم الأعمال من أوسع أبوابه بحرفية واقتدار، مع منح شهادات مجانية معترف بها.
عبد الكريم الذي أتم كل الأوراق الرسمية الخاصة بمشروعه بمساعدة المنتدى الاقتصادي السوري عبر مشروع (رخصتي)، والذي اتبع الكثير من الدورات التدريبية عبر منصة (تعالم) يستعد اليوم لحضور الأسبوع العالمي العاشر لريادة الأعمال وهو شخص آخر تماماً، ويقول: لقد تراءى لنا كشباب سوريين أننا تحطمنا تماماً خلال تلك الحرب الفظيعة التي دمرت مستقبلنا قبل أن تدمر أي شيء آخر، إلا أن التجربة اللاحقة أثبتت لي ولكل الشباب، أن الأمل بمستقبل جميل قد يأتي أكبر وأعظم وأكثر أثراً بعد المحن الصعبة، ولو لم أتغرّب وأترك دراستي وأعمل كعامل بسيط، لما عرفت شيئاً أبداً عن ريادة الأعمال، ولما حلمت يوماً بافتتاح مشروعي الخاص الذي يملأ علي حياتي اليوم، وأشق معه طريقي بكل ثقة نحو غد أفضل لي ولعائلتي، بل ولاسم بلادي وسمعتها أيضاً. أفضل لي ولعائلتي، بل ولاسم بلادي وسمعتها أيضاً.