أجرى الحوار: أحمد الصاوي
كاتب صحفي
حدد الدكتور "أحمد فكرى عبد الوهاب"* أكثر التأثيرات سلبية في وجود اقتصاد مواز غير رسمي، في الإضرار بالمنافسة وبكفاءة اقتصاد السوق وجودة منتجاته، وقال في حواره مع مركز المشروعات الدولية الخاصة إنه لا يستطيع أن يصف المنافسة بين القطاعين الرسمي وغير الرسمي في السوق بأنها غير شريفة، لكنها غير عادلة للطرفين، فبينما يعانى أصحاب الصناعات داخل القطاع الرسمي من ارتفاع التكلفة بما ينعكس على زيادة سعر المنتج مقارنة بغير الرسمي، ويدفع البعض إلى تقليل جودة المنتج للمنافسة لخفض التكلفة، وبالتالي يحدث الإضرار بالصناعة وبالسوق وبحقوق المستهلك، وبتنافسية المنتج المصري في العالم، وفى المقابل يعانى العاملين في القطاع غير الرسمي من التهميش وفقدان فرص التدريب والتطوير والاحتكاك، وضيق السوق باعتبار أن منتجات غير موثوقة ولا خاضعة لأدنى معايير رقابية هي بالضرورة غير صالحة للتصدير، غير حرمانه من مزايا الائتمان، وبالتالي تتحقق شروط عدم العدالة التي تؤثر على الطرفين وتخلق منافسة قلقة تضر بالسوق وبأسس الصناعة وقيمها الأساسية.
الضوابط
وأضاف أن التعامل مع ملف الاقتصاد غير الرسمي، يركز فى أغلب المبادرات الحكومية على دمجه دفترياً بهدف تسجيله، والتعامل معه ضريبياً وغير ذلك من التزامات التأمينات والتراخيص، مما ينفر أكثر مع الأخذ في الاعتبار المعاناة التي تعانيها المنشآت الرسمية مع القوانين والروتين والبيروقراطية، والتى تحتاج لإصلاح حقيقي، لكن هذا الإصلاح المفترض لابد أن ينطلق من فكرة وضع ضوابط موحدة ومعايير واضحة –ولا يعني ذلك كثرتها واحيانا تضاربها- للمنتج تتفق مع المعايير العالمية التي باتت موحدة ومن الصعب تجاهلها بالنسبة لاقتصاد يسعى لأن يكون جزء من العالم وله نصيب في الأسواق العالمية.
واعتبر الدكتور/ احمد فكري عبد الوهاب أن هذه الضوابط للمنتجات هي البداية التي لا يمكن الاختلاف عليها، لأنها تنطلق من حق المستهلك، سواء حقوقه في منتجات آمنة صحياً أو بيئياً أو صناعياً ويمكن الاطمئنان لها على المدى القريب والطويل ولا يمكن حدوث أضرار منها سواء على الأفراد أو مجتمعاتهم المحيطة، وهى بداية تتجاوز إحساس التربص الذى يشعر به كل من يشعر في القطاع غير الرسمي أن الحكومة تريد أن تنصب له "مصيدة" تجره عبرها، بوسائل إجبارية أو إقناعيه مختلفة ثم يفاجأ بعد ذلك بالتعامل معه باعتباره "فريسة" كل جهة تريد أن تحصل منه على ما تستطيع من أموال دون مراعاة لطبيعة عمله، وكما انه مطلوب من المستثمر أن يستهلك مساحة كبرى من وقته في الدوران على المكاتب والموظفين، فيهمل إشرافه المباشر على مشروعه إن كان صاحب مشروع صغير، أو يتكلف نفقات موظفين تكون مهمتهم التعامل المكثف مع الجهات الحكومية إن كان صاحب مشروع كبير أو متوسط، لكن من الناحية الأخرى يعد الحديث مع المستثمرين على ضوابط في الانتاج لصالح المستهلك مدخلاً مقبولاً، وتنظيم هذه الضوابط من حيث اعتمادها والتدريب عليها وتهيئة الجهات المسؤولة عن ضبطها وضمان الالتزام بها والرقابة عليها كفيل بضبط السوق والمنافسة وحماية سمعة المنتج المصري، وبالتالي التصدي لخلل كبير وآثار سلبية خطيرة يسببها وجود قطاع مواز غير خاضع لأي معايير واضحة.
التدرج
وأشار الدكتور/ أحمد فكري عبد الوهاب إلى أن القطاع غير الرسمي ليس نموذجا واحداً حتى يمكن إطلاق أحكام، أو وصف علاجات تصلح له كله ككتلة واحدة، وبالتالي لابد من الحذر فى التعامل معه بهذا المنطق، ولابد من مراعاة خصوصية كل قطاع داخل هذا الاقتصاد الموازي المتسع المساحة، لكن نظام الضوابط يمكن البدء به في قطاع الصناعات الغذائية مثلاً لعدة أسباب منها انتشارها في كل مصر بحجم هائل من المشروعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة، ولارتباطها بشكل مباشر بصحة المواطن وجودة الحياة والبيئة، بما يجعل المستهلك طرفاً في المعادلة، وصاحب مصلحة في ضبط جودة منتجات هذه الصناعة، وكذلك لأنها صناعة قادرة على المنافسة في السوق محلياً، وعلى غزو أسواق آخري بالتصدير مع توحيد معايير الانتاج والجودة والشروط الصحية لتتوافق مع المعايير العالمية، إلى جانب قدرة السوق المصري على استيعاب المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، كما أن الحكومة تملك بالفعل الجهاز القادر على ضبط الأسواق وضمان جودة المنتجات والتأكد من خروج كل منتج وفق المعايير الواضحة لقواعد الجودة، وهو جهاز التموين، الذى يحتاج لإعادة تعريف دوره ورفع كفاءته بشكل يؤهله للعب هذا الدور بشكل عملي وليس شكلي، وبأدوات احترافية ووفق منظومة كاملة هدفها ضبط المنتج المصري لصالح المستهلك في الداخل أو الخارج.
الحوافز
ومن بين ما يجرى طرحه للتعامل مع القطاع غير الرسمي، هو ربط دمجه بنظام للحوافز، لكن الخلاف يدور حول من يحصل على الحوافز، الموجود في القطاع الرسمي، فيشجع ذلك غير الرسمي، أم العكس؟ لكن الدكتور/ أحمد فكرى عبد الوهاب يرى أن الحوافز لابد أن تكون للجميع، معتبراً أن التفكير بهذا المنطق هو تفكير لا يهدف إلا للبحث عن مسكنات شكلية، لأن الأصل أن تعمل الحكومة على تحسين مناخ الاستثمار عموماً ليستفيد من ذلك الجميع، سواء عبر تبسيط الإجراءات، أو تخفيف الأعباء الضريبية، أو تقليل الخطوات الإجرائية، أو تهيئة المناخ الإداري الملائم لتشجيع الناس على الادخار والاستثمار، بما في ذلك تطوير آليات لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، سواء عبر تغيير فلسفة البنوك أو الاستمرار في إلزامها بتوجيه نسبة من محفظتها لهذا النوع من التمويل، أو خلق مؤسسات جديدة مهمتها دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يتركز فيها معظم القطاع غير الرسمي. لكن إن كان لابد من حوافز خاصة للقطاع غير الرسمي، فيمكن أن يحصل على حافز "ائتماني" بمعنى تسهيل حصوله على قروض بضمان وجوده في القطاع الرسمي.
الخروج من السوق
وإذا اتفقنا، والحديث لدكتور/ أحمد فكرى عبد الوهاب، أن هناك العديد من العوامل التي أدت إلى انتشار القطاع غير الرسمي أهمها صعوبة الدخول والخروج من الأسواق الرسمية، وارتفاع تكلفة الدخول وغياب آلية واضحة وعملية للخروج من السوق، معتبراً أن وجود قانون جديد وحيوي للخروج من السوق سيساهم في حل جزء من المشكلة، معتبراً أن ترك المستثمر لـ"يموت" داخل السوق دون أن يجد منفذاً للخروج الآمن يؤدى إلى إرباك السوق بذات القدر الذى يتعرض له من إرباك بسبب أداء الاقتصاد غير الرسمي ، خاصة في جودة المنتجات، ما يربك المنافسة، ويدفع الجميع إلى النزول بالجودة بدلاً من النهوض بها، لأن المنافسة في هذه الحالة تكون لأسفل وليس لأعلى، والشركات الملتزمة لا يكون أمامها خيار فى ضوء كساد بضاعتها سوى دخول المنافسة في السوق بقواعد السوق الواقعية، وليس بالقواعد المفترضة التي لابد أن تتوافر من الأصل وتلتزم بها كافة المؤسسات.
*أحمد فكرى عبد الوهاب هو رئيس مجموعة فاو للصناعة، والرئيس التنفيذي للشركة المصرية الألمانية للسيارات (مشاركة مرسيدس- بنز الصناعية في مصر)، ونائب رئيس غرفة الصناعات الهندسية (وهى أحدى غرف اتحاد الصناعات المصرية)، وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، وعضو مجلس إدارة المجلس التصديري للصناعات الهندسية، وعضو المجلس الاستشاري الاستراتيجي لعميد كلية الأعمال الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وعضو مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة. حصل عبد الوهاب على درجة بكالوريوس العلوم في الهندسة الكهربائية، وماجستير ودكتوراة الفلسفة في إدارة الأعمال (إدارة العلوم والإحصاء) من جامعة ألاباما، الولايات المتحدة الأمريكية.