كتب: عبد الوهاب الكبسي
المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مركز المشروعات الدولية الخاصة
في 10 أكتوبر 2013
هذه المدونة مترجمة عن الأصل باللغة الإنجليزية: Fear of Failure and the Arab Dream
حضرت فعالية "ومضة" للتوجيه وتقديم النصح (Wamda’s Mix n’ Mentor) التي عقدت مؤخرًا في الرياض، بالمملكة العربية السعودية، وجمعت بين رؤساء تنفيذيين ورياديي أعمال. وخلال المؤتمر استمعت إلى حوار بين اثنين من كبار رجال الأعمال حول آفاق زواج بناتهما، ولما كنت أبًا لثلاث بنات، فقد شغفت بالاستماع لحديثهما. قال أحدهما : "بالقطع لا، لن أدع ابنتي لتتزوج رجلَ أعمالٍ شابًّا. فإذا لم تكن لديه وظيفة ثابتة أو دخل مضمون، أسألك كيف سيكون قادرًا على الحفاظ على ابنتي؟".. هز الرجل الآخر-المرتدي للثوب التقليدي- رأسه موافقًا.
أجرت مجموعة من الباحثين دراسة ميدانية عام 2011 لحالة ريادية الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، انتهت إلى وجود أربعة معوقات رئيسية أمام البدء في مشروع، هي: "عدم تقبل أفراد الأسرة، والافتقار إلى المكانة الاجتماعية، وحدة المنافسة، والخوف من الفشل" (انظر الشكل رقم 1). ففي منطقة تعطي -عن طرق المدارس والآباء- أولوية للتلقين والحفظ على الإبداع، وللأمان الوظيفي على ريادية الأعمال، وللاستقرار على المجازفة، يكون من الطبيعي أن يمتنع الشباب عن المبادرة بإنشاء شركات جديدة، ويفضلون السير في الطرق التي اعتادوها. وبالإضافة إلى عوامل اجتماعية أخرى، مثل انسداد الأفق أمام الزواج وبناء أسرة جديدة، يصبح من السهل تفسير السبب وراء طموح الشاب العربي للالتحاق بوظيفة حكومية، والسعي خلف الأمان الوظيفي.
الشكل رقم (1)
التحديات التي تواجه رياديي الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
(المصدر: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة العمل الدولية (UNDP and ILO)، 2012)
كلمات الشكل 1
Degree of Challenge |
درجة التحدي |
Non-acceptance from Family Members |
عدم القبول من جانب أفراد الأسرة |
Lack of Prestige |
نقص المكانة |
High Level of Competition |
ارتفاع مستوى المنافسة |
Failure |
الإخفاق |
Opportunity Cost Vs. Current Employment |
تكلفة الفرصة البديلة مقابل العمل الحالي |
Not Meeting Customer Demand |
عدم تلبية الطلب الاستهلاكي |
High Level of Commitment |
مستوى الالتزام العالي |
Financial Distress |
الإحباط المالي |
Not Getting Financing |
عدم الحصول على التمويل |
Lack of Capabilities |
الافتقار إلى القدرات |
The Anticipated Regulatory And Process Hurdles |
العراقيل التنظيمية والعملية المتوقعة |
أما إذ نظرنا إلى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فسنجد أن أشخاصًا مثل "ستيف حوبز" و"بيل جيتس"، اللذين بادرا بالإبحار في صناعة التكنولوجيا الرقمية، يتم التعامل معهما كأبطال وطنيين. ويدرس الطلاب في المدارس العامة الجهود الابتكارية لـ"بنجامين فرانكلين"، ويحتفون بريادية الأعمال كجزء من الروح الوطنية. وعندما يتحدث الساسة وقادة المجتمع المدني عن "الحلم الأمريكي" فإنهم يسردون قصص أفراد عصاميين تخطوا حاجز الفقر إلى الثراء، وطبقوا أفكارًا عبقرية، وخاضوا سبلاً غير عادية -تتسم بالمغامرة والمجازفة- عند إطلاق مشروعاتهم.
لقد أدرك القادة السعوديون دور رياديي الأعمال كقوة دافعة للنمو الاقتصادي، وتعد مبادرات مثل "قائمة الشركات السعودية المائة الأسرع نموًّا"، و"جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا" (KAUST)، من العوامل التي تطرح تحديًا على عقول شباب رجال الأعمال السعوديين للتحلي بروح المخاطرة والمجازفة. وفي أعقاب طفرة الانطلاق نحو التكنولوجيا عام 2007، تزايدت مبادرات ريادية الأعمال (انظر الشكل رقم 2). وعلاوة على ذلك، عالجت المملكة عددًا من العقبات التي تواجه رياديي الأعمال، مثل: صعوبة الحصول على التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والقيود القانونية الضخمة المفروضة على نشاط الأعمال. ولكن، مع تزايد أهمية خلق الفرص أمام رجال الأعمال الجدد للمنافسة وتحسين فرص الوصول إلى الموارد المالية، نلحظ تغاضي صناع السياسات عن جزء لا يتجزأ من المنظومة الايكولوجية لريادية الأعمال، ألا وهو: الذهنية الثقافية.
الشكل رقم (2)
العدد الإجمالي لبرامج ريادية الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
(المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum)، 2013)
كلمات الشكل 2
Average Initiatives per 5 Years |
متوسط المبادرات كل 5 سنوات |
Average of 1,5 Initiatives per Year |
متوسط 1,5 مبادرة في السنة |
Average of 10 Initiatives per Year |
متوسط 10 مبادرات في السنة |
Cumulative Initiatives |
المبادرات التراكمية |
في نهاية المؤتمر، طلبت من أحد كبار رجال الأعمال المحليين أن يسرد لي قصة نجاحه في القطاع الخاص، وبدلاً من أن يخبرني عن الأفكار والاستراتيجيات اللامعة التي انتهجها، تركز حديثه على عدد مرات فشله في إنشاء المشروعات، وأخبرني بأنه اتصل مؤخرًا بأحد الناشرين لإصدار كتاب يبين فيه كيف تعامل مع تلك الإخفاقات، فعلى الشباب السعودي أن ينظر إلى الفشل باعتباره من المقومات الأساسية للنجاح، رغم صعوبة هضم هذه الحقيقة. وعلى أية حال، ظل "الحلم العربي" يدور حول الأمان الوظيفي والمكانة الاجتماعية، وعلى الرغم من ذلك، إذا أرادت المملكة العربية السعودية المنافسة في السوق العالمية، فستتخلى عن ثقافة "الخوف من الفشل".
ولكي نتغلب على الوصمة الاجتماعية التي تكتنف ريادية الأعمال، يجب البدء ببناء شبكة للدعم والقبول من جانب الأسر والأصدقاء، وتقديم برامج التوجيه وتقديم النصح لتهيئة الفرص أمام رياديي الأعمال الشباب للاستفادة من شبكة تضم كبار رجال الأعمال، الذين بإمكانهم أيضًا أن يقدموا للشباب نموذجًا يجنبهم تكرار الأخطاء ذاتها التي سبق أن وقع فيها الكبار. وفي شهر مايو، جمع مؤتمر "ومضة" للتوجيه وتقديم النصح رؤساء تنفيذيين ورياديي أعمال، لتبادل خبرات الفشل في تجاربهم فيما يتعلق بالمجازفات والمخاطر. وهكذا، من خلال الجمع بين الخريجين الجدد وقادة الأعمال ذوي الخبرة، يمكن لورش عمل مثل فعالية "ومضة" أن تساعد في تغيير الذهنية الثقافية بالمملكة العربية السعودية، عن طريق إعطاء الفشل وجهًا إنسانيًّا. وفي واقع الأمر، فإن من ذاقوا طعم الفشل، يكون أداؤهم أفضل من غيرهم.