البلوك تشين في عالمنا العربي.. استثمار في تقنيات المستقبل

[addthis tool="addthis_inline_share_toolbox_pvdf"]

كتب: محمد عبد المطلب
رئيس مجلس إدارة شركة Trendak للتكنولوجيا المتقدمة

وُصفت البلوك شين (blockchain) بأنها من مقومات "الثورة الصناعية الرابعة" ومن المتوقع أن تغير حياتنا، ويمكن للبلدان النامية أن تكون أكبر الفائزين من هذه الثورة. فهى تقدم لنا، الشعب، والحكومة، والأعمال التجارية فرصة غير مسبوقة لتحسين مستوى تقديم واستقبال الخدمات وتحقيق نمو.

من المؤكد كل واحد منا، قد تعامل في لحظة أو أخرى من حياته مع ملفات السجل (log files)، أو برامج المحاسبة، أو حتى مجرد حفظ سجل إنفاقنا على الورق. كل ما سبق هي تمثيلات مختلفة من نفس الشيء " دفتر الأستاذ"، وهو سجل لجميع المعاملات المنفذة في إطار زمني محدد. المعاملات هنا لا تعني بالضرورة تلك المالية فقط.

لتبسيط الأمر، سوف نستخدم مثال غير صحيح من الناحية الفنية تماما ولكن سوف يوضح الفكرة الأساسية، فلنفرض أسرة تسجل جميع معاملاتها على قطعة من الورق، وهذه الورقة هي دفتر الأستاذ للأسرة. تخيل أن كل فرد من أفراد العائلة لديه نسخة من هذا الدفتر. تتم إضافة كل معاملة جديدة ويتم توزيع نسخة جديدة على كل أفراد الأسرة. وهذه الطبيعة الموزعة تجعل من الصعب جدا على أي شخص في الأسرة الغش. ببساطة، جميع أفراد الأسرة لديهم الوضع النهائي في دفتر الأستاذ.

بلوك تشين ما هو إلا دفتر أستاذ يتم توزيعه (بالضبط كما في مثال الأسرة أعلاه). كل عقدة (node) على الشبكة (كل فرد من أفراد العائلة) لديها نسخة من جميع المعاملات الماضية. بمجرد كتابة المعاملة، لا يمكن تغييرها. وهكذا، فإن الأمان الشديد يكون متأصل في البلوك تشين. إذا جاء هاكر يريد التلاعب بسجل، فيجب عليه تغييره في جميع النسخ المخزنة على كل عقدة في الشبكة في نفس الوقت بالضبط، وهذا مستحيلا!

تقنيا، يتم التحقق من كل معاملة جديدة، يتم تشفير كل معاملة، وإضافة هذه المعاملة في كتلة (block)، ثم يتم إضافة هذه الكتلة الجديدة إلى كتل موجودة مسبقا فتبدو كأنها سلسلة (وبالتالي اسم، BlockChain). ثم يتم تخزين وتحديث هذا الوضع الجديد للسلسلة على جميع العقد في الشبكة. كل معاملة صغيرة جدا من حيث مساحة التخزين المطلوبة، والشبكة فعالة جدا. من الناحية الفنية، هناك بالطبع بعض التحديات، ولكن ليس مجال مناقشتها الآن.

وكما هو موضح أعلاه، يثق جميع من على الشبكة بأن السجلات صحيحة. وبالتالي إذا كانت السجلات تبين أن الشخص (س) يملك الشقة (ص)، نعلم جميعا أن "س" يملك "ص" وهي حقيقه مؤكدة. عندما يبيع هذه الشقة لشخص (ع)، فى لحظه تسجيل عملية البيع (وبالتالي نقل الملكية) فإن السجلات تظهر هذه الصفقة ونعلم نحن جميعا أن شقة "س" لم تعد مملوكة ل"س" . وبالتالي فإن "س" لن يكون قادرا على بيعها مرة أخرى لشخص آخر. ولذلك، فإن قضية البيع المزدوج لا يمكن أن تحدث طالما تم تسجيل الصفقة. وهذا يعني أننا لم نعد بحاجة للذهاب إلى كاتب العدل لتسجيل البيع ولا نحتاج إلى التحقق من صحة سندات الملكية. وبعبارة أخرى، أنا لست بحاجة إلى الثقة فى شخص "س"، فنحن نثق في الشبكة. ونحن جميعا يمكن أن نتحقق بسهولة من مَن له الملكية. وهكذا، فإن البلوكشين توفر لنا إطار آمن و سريع جدا بشكل لا يصدق. الملكية وتسجيلها هو مثال واحد على تطبيقات بلوك شين. وسنواصل هذا المثال لبعض الوقت لشرح كيفية تنفيذ هذا الحل وتأثيره على البلدان النامية.

إذا اتخذت حكومة ما قرارا بالاستفادة من الفرص الهائلة التي توفرها البلوكشين، ما هو المطلوب؟ أولا، يجب على هيئة حكومية إصدار مفتاحا رقميا فريدا عالمي مشفر(encrypted universal unique ID) لكل مواطن. فكر في الرقم القومي أو رقم الضمان الاجتماعي كمثال. سيتم استخدام هذا المفتاح لجميع المعاملات المتعلقة بكل مواطن. وستكون الهيئة الحكومية المصدرة هي المؤسسة الوحيدة القادرة على ربط مفتاح محدد بالمواطن الفعلي. و يتعين على أي كيان آخر يطلب الوصول إلى هذه المعلومات أن يبرر قبل الوصول إليه (وهذا أمر يجب أن ينظمه قانون).

الخطوة الثانية،على الحكومة أن تصدر مفتاحا رقمى فريدا عالميا مشفر لكل منظمة وكيان في البلاد. بمعنى، كل هيئة حكومية، كل شركة، كل بنك، كل مستشفى، كل محل وما إلى ذلك وبالتأكيد أي فرع من الكيانات المذكورة أعلاه سوف يحصل أيضا على مفتاح. مرة أخرى، فإن الربط بين المفاتيح والكيانات الفعلي مقيد وينظم بموجب قانون.

وكخطوة أولى، البدء بقرار بشأن القطاعات التي ستكون أول من يعتمد البلوك شين: الرعاية الصحية، تسجيل الأصول، والضرائب، ومخالفات المرور، والتعاملات الحكومية المالية، على طول الطريق حتى التصويت سوف تستفيد بشكل كبير من البلوك شين. للبساطة، سوف نركز على المثال أعلاه، أي تسجيل الأصول (في مصر مثلا، كاتب العدل المعروف باسم "الشهر العقارى").

1 - يتم إصدار مفتاح رقمى عالمي فريد مشفر لكل أصل في البلاد. في هذا السياق، الأصول هي الأراضى أو العقارات، أو السيارات الخ.

2 - في يوم الصفر، وهذا هو تاريخ البدء لتطبيق النظام، فإن الحكومة سوف تأخذ سجلات الملكية القائمة. و تقوم بربط كل مفتاح لأصل مع مفتاح المالك. من هذه النقطة، لم تعد هناك حاجة للحفاظ على كاتب العدل لتسجيل الملكية (الشهر العقارى).

3- يجب على الحكومة الاحتفاظ بالسجلات القديمة لفترة من الزمن. وذلك من أجل حل نزاعات الملكية.

فوائد تطبيق هذا النظام:

1- يصبح تتبع ملكية الأصول مطلقا. إذا ادعي شخصا امتلاك بعض الممتلكات، فأنا بحاجة فقط إلى عرض السجل الذي يملكه من على الشبكة.

2- يمكن لمالكي العقار أو السلطات فقط الوصول إلى السجل لإظهار من يملك ماذا.

3- إذا أراد المالك أن يبيع، كل ما يحتاج إليه هو أن يأذن بنقل مفتاح العقار من قائمة مفاتيحه إلى المشتري.

4- تصبح إمكانية البيع المزدوج أو الاحتيال صفرا

5- يمكن للسلطات تتبع كل معاملة، وبالتالي يمكن أن تقضي تماما على غسيل الأموال من خلال شراء الأصول.

6 - وستتمكن السلطات من الكشف عن الاحتيال الضريبي أسرع وتقريبا بدون تكلفة بالإضافة لسرعة تحصيل الرسوم الصحيحة.

7- عند تطبيق البلوكشين، سوف تختفي الصفوف الهائلة فى مكاتب الشهر العقارى مما يؤدى إلى توفير هائل فى الوقت و التكلفة.

8- عند تطبيق البلوك شين، سوف تختفي فرصة الفساد أو التلاعب في الملكية.

9- القوة الحقيقية للبلوكشين، هي أنه يمكن مع كل ما سبق من شفافية و سرعة في المعاملات الحفاظ على خصوصية المواطنين. حيث لا تحتاج السلطات إلى الصلة بين المفتاح والهوية الحقيقية للمواطن حتي أن تكون هناك حالة واضحة من النشاط غير المشروع. وبخلاف ذلك، يتم إجراء جميع عمليات الفحص والتحكم دون الكشف عن هويته، تذكر، فقط سلطة إصدار المفاتيح تعرف المالك الحقيقي للمفتاح.

في النهاية، بلوكشين هي جزء من ثورة صناعية حقيقية تغير طريقتنا في الحياة.

 

TOP