كتب- سيرجيو داجا
تقوم البلدان المختلفة بالتبادل التجاري فيما بينها؛ لأن ذلك يجعل الحياة أفضل حالاً في كل بلد، وتجري المنافسة في التجارة الدولية على مستوى الشركات، بينما يجني المواطن -في كل بلد- المنافع من التجارة الحرة ، حيث يتمتع المواطنون بسلع وخدمات أكثر تنوعًا، وأقل تكلفة بشكل عام.
دعونا نتخيل أن أحد البلدان قرر أن يعزل نفسه اقتصاديًّا عن بقية العالم، فلكي يظل هذا البلد قائمًا، سيحتاج مواطنوه إلى زراعة كل غذائهم وصناعة ملبسهم بأنفسهم، وبناء بيوتهم بأنفسهم وبالمواد المتاحة محليًّا. أما إذا قرر هذا البلد أن يفتح أبوابه أمام التجارة، فسيكون بإمكان مواطنيه التخصص في الأنشطة التي يحققون فيها أفضل النتائج، وبالطبع يقود التخصص إلى إنتاجية أعلى، ودخل أكبر، ومستويات معيشة أفضل.
لكن هل بإمكان جميع البلدان الاستفادة من التجارة؟.. يؤكد أحد المبادئ الأساسية في الاقتصاد -مبدأ الميزة التنافسية- أنه عندما ينتج بلد ما المزيد من منتَج واحد فإنه سينتج كمية أقل من منتَج ما آخر، وتحدث هذه المفاضلة بسبب ندرة الموارد، ورغبة المجتمعات في الحصول على أقصى استفادة ممكنة منها.
والمسألة الرئيسية في التجارة الدولية لا تتعلق بتكلفة إنتاج سلع مثل الـ"تي شيرتات" أو أجهزة كمبيوتر في بلد، مقارنة بالتكلفة في بلد آخر، سواء بالنسبة للأموال أو الموارد. وإنما تتعلق المسألة الرئيسية بتكلفة عدد الـ"تي شيرتات" لإنتاج جهاز كمبيوتر، عند تحويل الموارد من إنتاج سلعة إلى إنتاج سلعة أخرى. فالبلد الذي يستطيع إنتاج عدد أكبر من أجهزة الكمبيوتر بتكلفة ألف "تي شيرت" مثلاً، مقارنة بعدد الأجهزة التي ينتجها بلد آخر بتكلفة نفس الألف "تي شيرت"، سيكون-أي البلد الأول- هو الأكثر استفادة من التجارة مع البلد الآخر الذي ينتج أجهزة كمبيوتر أقل بدلاً من إنتاج ألف "تي شيرت". وبعبارة أخرى، تستفيد البلدان من التجارة الحرة بفعل ميزاتها التنافسية، بمعنى أنه لا يوجد بلد في العالم قادر إنتاج كل شيء بتكلفة أرخص من الآخرين.
تنطوي فوائد الميزة التنافسية على أهمية خاصة للبلدان النامية، وبهذا المعنى يقتبس "توماس سويل" (Thomas Sowell) في كتابه "مبادئ الاقتصاد" عبارة مجهولة المصدر تقول: "الميزة التنافسية تعني أن هناك مكانًا لكل دولة تحت شمس التجارة الحرة، بغض النظر عن مدى فقرها؛ لأن الناس في كل بلد يستطيعون إنتاج منتجات ما بكفاءة أفضل نسبيًّا من منتجات أخرى". ومن ثم، قام كثيرون بتحليل دقيق للعلاقة بين الانفتاح التجاري والنمو الاقتصادي، وتوصل معظمهم إلى تأييد فكرة مفادها أنه كلما كان الانفتاح أكبر، كانت آثاره إيجابية على النمو.
ففي ورقة مهمة للدكتور "سباستيان إدواردز" (Sebastian Edwards) من جامعة كاليفورنيا، وجد أن البلدان التي تحرر تجارتها الدولية وتصبح أكثر انفتاحًا -بمعنى خفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية أمام التجارة- هي الأقرب إلى تحقيق نمو أسرع، ولاسيما في العالم النامي. وفي دراسة أجريت على تركيا Utkulu and Özdemir, 2004))، تبين أن هناك ارتباطًا إيجابيًّا واضحًا بين تحرير التجارة والنمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، فإن أهم ما توصلا إليه، أن الحد من التشوهات التجارية وثيق الصلة بتحقيق النمو، وسلطا الضوء على أهمية السياسة التجارية بالنسبة للأداء الاقتصادي لهذا البلد.
وفي دراسة أحدث أجريت عام 2012، حلل "أنطونيو بوجيانيك" (Antonio Bojanic) العلاقة بين النمو الاقتصادي والانفتاح التجاري من خلال البيانات الإحصائية السنوية في بوليفيا على مدى الفترة 1940-2010، وهي الدراسة الأولى التي تغطي أداء هذا البلد على مدى 70 عامًا. وأظهرت نتائج الدراسة أن هناك بالفعل علاقة متوازنة على المدى الطويل بين النمو الاقتصادي والانفتاح التجاري، وأن السببية في هذه العلاقة تنتقل من تحرير التجارة إلى النمو الاقتصادي. وتعد نتائج هذه الدراسة مهمة بشكل خاص إزاء السياسات المطبقة اليوم في بوليفيا، حيث تحاول الحكومة الحالية النكوص عن الإصلاحات التي طُبقت بصعوبة خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
وإذا كان المزيد من الانفتاح على العالم الخارجي يكتسب هذه الأهمية في التأثير على النمو الاقتصادي، كما تبين هذه الدراسة، فإن المحاولات الحكومية الحالية للانغلاق الاقتصادي، مثل: عدم الرغبة في توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، ورفض الحكومة السماح للمنتجين الزراعيين بالتصدير، وزيادة التعريفات الجمركية على المنسوجات بدعوى حماية المشروعات المملوكة للدولة حديثًا، لا تبدو منطقية. ومن ثم، فإن التداعيات السلبية لهذه السياسات غير الحصيفة ستظهر إن عاجلاً أو آجلاً على مستويات النمو الاقتصادي في بوليفيا.
وخلاصة القول، فإن كل بلد سيستفيد من التجارة الدولية، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، أقرب إلى خط الاستواء أم إلى القطبين. ذلك لأن أن كل أمة يمكن أن تنتج منتجات معينة بكفاءة أكبر نسبيًّا من البلدان الأخرى، وهو أمر ينطبق على البلدان النامية بشكل خاص.